“إن ما تقوم به أوربا اليوم ليس هو الذي قامت به الأمة الأسلامية الأولى ، ولا قريبا منه ، وإن أختلطت بعض أجزاء الصورة في بعض الأذهان .إن الذي قامت به الأمة الإسلامية الأولى لم يكن مجرد التوسع و الفتح ، والغلبة و السلطان ، ولا مجرد إقامة حركة علمية أو حركة حضارية أو عمارة مادية للأرض .. فهذا كله من العطاء الرباني الذي يمنحه الله للكفار و للمؤمنين سواء :{ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ * وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا }وقد كان لكثير من الجاهليات التاريخية نصيب منه :{ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ * }{ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }إنما الذي صنعته الأمة الأسلامية هو إقامة هذه العمارة وهذه الحضارة وهذه القوة الغالبة الساحقة على اساس من " القيم و المثل " لم تتحقق في صورة واقع عملي سلوكي إلا في تاريخ هذه الأمة الفريدة في التاريخ . ”
“إن كل مربًّ في التاريخ يؤثر في تلاميذه المحيطين به نوعا من التأثير. و لكن الأثر الذي تركته شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم في نفوس أتباعه و محبيه أثر غير مكرر في التاريخ ، و لا عجب في ذلك فإنها شخصية غير مكررة في التاريخ !”
“الإسلام ـ كما قلنا مرارا ـ حجة على الأمة , و ليست الأمة ـ في أي جيل من أجيالها ـ حجة على الإسلام , إن استقامت على أمر الله فهي مستقيمة , وإن انحرفت عنه فهي منحرفة , ويبقى دين الله كما أنزل , لا يصيبه من انحراف الأمة شئ .”
“إن تاريخ أمتنا لم يكن ظلاماً كله.. وإن التناقض بين "التطبيق" في هذا التاريخ، وبين "الفكر" لم يكن كاملاً ولا حادّاً ولا دائماً.. إن البعض منا قد قسا ويقسو، وبالغ ويبالغ في تصوير مظالم ذلك التاريخ؛ لينفِّر من الظلم والاستبداد، وليزكي الدعوة إلى استلهام فكرنا الغني، ونحن نجاهد للنهوض بالواقع الذي نعيش فيه.. وهذا مقبول ومفهوم.. لكن الكثيرين من أعداء هذه الأمة، ومعهم نفر من المنتسبين إليها، يسلكون هذا السبيل ليصلوا بواسطته إلى غرض خبيث.. فهم يصورون تاريخنا ظلماً وظلاماً، كي ينزعوا سلاح الأمة المتمثل في هذا التاريخ، وهي تواجه ما يفرضونه عليها من تحديات.. وهم يوحون إلى الناظر في تراثنا الفكري أن ما بهذا التراث من حديث عن "السماحة" و"حقوق الإنسان"، هو "فكر نظري" لم يوضع يوماً ما في "الممارسة والتطبيق"، مستهدفين من وراء ذلك - أيضاً - نزع سلاح الأمة المتمثل في هذا "التراث الفكري"، كي لا يسعى الجيل الحاضر إلى استلهام أصول حضارته وسمات قوميته والجوهري من معتقداته، وما هو متقدم وفاعل من القيم التي ورثناها عن الأسلاف..فظلم الماضي، والقسوة في تقييم تطبيقات السلف سلاح ماض ذو حدين،قد يدفع الأمة إلى عكس ما تريد، وضد ما هو مفيد..”
“فالإسلام هو سبيل الإصلاح , و مشروع النهضة في العالم الإسلامي لابد أن يكون إسلامياً , فبالإسلام نهضت هذه الأمة نهضتها الأولى .. وهذا هو سبيل خروجها من المأزق الحضاري الذي دخلت إليه بالتخلف الموروث و التغريب الذي جاءها من وراء الحدود , والذي يريد بالعلمانية طي صفحة الإسلام .”
“إن "الحضارة" ليست مجرد البراعة في الانتاج المادي، وإن كان هذا مطلوبًا للنجاح والتمكين في الأرض، ولكن هذه البراعة وحدها، من غير الالتزام بالمنهج الصحيح لا نتشئ حضارة حقيقية، أو قل إنها تنشئ "حضارة جاهلية" إن صح التعبير ..حضارة تحقق جانبًا من كيان الإنسان ولا تحقق كيانه كله، ولا تحقق أثمن من فيه ..وتدمره في النهاية!”
“وليس في إسلامنا ما نخجل منه ، وما نضطر للدفاع عنه ، وليس فيه مانتدسس به للناس تدسساً ، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته . إن الهزيمة الروحية أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهلية هنا وهناك هي التي تجعل بعض الناس .. المسلمين .. يتلمس للإسلام موافقات جزئية من النظم البشرية ، أو يتلمس من أعمال ” الحضارة ” الجاهلية ما يسند به أعمال الإسلام وقضاءه في بعض الأمور … إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والاعتذار فليس هو الذي يقدم الإسلام للناس . وإنما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائض والعيوب ، ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية . وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلام ويلجئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه ، كـأنه متهم مضطر للدفاع عن نفسه في قفص الاتـهام”