“الفرق بين الإنسان والحيوان لا ينحصر في الخلقة ، ففي الخلقة ما يشبهه ، ولا في النطق ، ففي الحيوان ما ينطق ، ولا في الذكاء ، ففي هوام الأرض ما يفوقه ذكاءا ، وإنما المزية التي تميزه عن سائر الحيوانات والخصلة التي يفضلها بها ، هي إدراك حقيقة الوجود بالإمعان والمشاهدة ، وطول الفكر والنظر في خلق السماوات والأرض ؛ للإهتداء إلى معرفة خالقها وعبادة صانعها ، قال جل وعز في محكم بيانه " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21). هذه هي اللذه الروحانية التي أسعد الله بها الإنسان دون سائر المخلوقات ، وهي أشرف اللذات وأصفاها ، وأفضلها وأبقاها وما يتقرب العبد إلى الله زلفى في عبادته بأجل من النظر والتفكير في حسن صنعه ، وكمال خلقه . قال وهو أحكم القائلين : " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.. الآيات))(190) سورة آل عمران.”