“إن الذين لا يرون في الإسلام إلا قائمة محرمات و ممنوعات في جانب ، ثم لائحة عقوبات و زواجر في جانب آخر، يفعلون بالإسلام تمامًا كما فعل الدب الذي أراد أن يحمي صاحبه فقتله ، و إن كانت النتيجة أفدح . ذلك أن المجني عليه في القصة الشهيرة هو مجرد فرد واحد ، و لكن المجني عليه فيما نحن بصدده هو عقيدة بأكملها !إن هؤلاء يصغرون من شأن الإسلام من حيث لا يشعرون . يحولونه من رسالة هداية للبشر و رحمة للعالمين إلى فرمانات إلهية ، تأمر و تنهى ، و توزع طوابير الناس على درجات جهنم ، حتى أسفل سافلين !”
“و ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح.”
“إن أحد المآخذ الأساسية التي تحسب على أكثر الحركات الإسلامية المعاصرة أنها تعاني من خلل مفجع في ترتيب الأولويات التي توجه إليها نشاطاتها ، ومن غرائب الأمور أن هؤلاء تشغلهم قضية إطلاق اللحى -مثلاً- بأكثر مما تشغلهم قضية إطلاق الحريات ! و قد أدى بهم ذلك إلى أنهم عزلوا أنفسهم عن آمال الجماهير و طموحاتها . كما عزلوا أنفسهم عن فصائل النضال الوطني ، إذ اختاروا جبهة شديدة التواضع ، و مضوا يقاتلون عليها .. و يقتلون !و هي مفارقة مدهشة أن يخوض حملة الإسلام يوم نزلت الرسالة معركتهم الأساسية لصالح تحرير الإنسان من الوثنية و الشرك ، وثم يدور الزمن ، و تمضي 14 قرناً و إذا بمعارك أكثر حملة راية الإسلام تدور حول اللحى و موضع الساعة في اليد اليمنى أم اليسرى ، و المفاضلة بين البنطلون و الجلباب !”
“رابعة تلك الملاحظات أن الإيرانيين لم يكونوا على استيعاب كاف لتطورات الوضع العربي ، التي هي في مجملها أقرب إلى السلب منه إلى الإيجاب ، ذلك أنه حتى قرب نهاية الستينات كانت للجماهير العربية قيادة متمثلة في جمال عبد الناصر . و كانت قيم النضال ضد الاستعمار و الثورة لاستخلاص الحقوق مما تبناه الشارع العربي و وقف وراءه . كان للجماهير العربية حضور ، فضلا عن أنه كانت ثمة قيادة تعبر عن ضمير تلك الجماهير و طموحتها . ابتداء من السبعينات تغيرت تلك الصورة ، غاب الرمز و غاب دور الشارع . و ظهرت خريطة من القيم السلبية الجديدة في الواقع العربي ، تتبنى الإنحياز إلى المعسكر الغبي من ناحية ، و ترفع شعارات الإقليمية و التجزئة من ناحية أخرى . و بدأت في العالم العربي مرحلة "الأنظمة" التي تعاظم دورها على حساب دور الشارع و الجماهير . هذه الظروف في مجموعها كان لها تأثيرها الضروري على القيادة الفلسطنينة . كان لابد لتلك القيادة أن تتعامل مع الواقع العربي بمتغيراته السلبية ، إذ لم تكن في موقف يسمح لها لا بتحدي هذا الواقع و لا بتغييره . و هذا ما لم تدركه القيادة الإيرانية ، و حاسبت الفلسطينيين من منطلق خاطيء تماما ، منفصل عن تلك المتغيرات في الواقع العربي .”
“ترفع عينيك فإذا أكبر ميدان للشهيد ، و إذا بأسماء الشهداء منقوشة على الشوارع و الأزقة ، حتى تكاد تصبح خارطة إيران بمثابة "دليل" للشهداء ، و هو دليل تتسع دائرته لتشمل بعضا من الشهداء العرب ، المصريين خاصة الذين قتلهم الظلم . فهناك شارع باسم " أستاذ حسب بنا" و آخر باسم "سيد قطب" و ثالث باسم "خالد الاسلامبولي" و رابع باسم " سليمان خاطر" . الوحيد من الأحياء المصريين الذين أطلق اسمه على شارع هو "شيخ عبد الحميد كشك المصري" . تسأل عن السبب فيقال لك : ألم يقف الرجل إل جانب شهدائنا في الحرب ؟”
“يقول الشيخ محمد عبدالله دراز :"كل إنسان له في الإسلام قدسية الإنسان، إنه في حمى محمي وحرم محرم. ولا يزال ك1لك حتى يهتك هو حرمة نفسه. وينتزع بيده هذا الستر المضروب عليه، بارتكاب جريمة ترفع عنه جانبا من تلك الحصانة... بهذه الكرامة يحمي الإسلام أعداءه، كما يحمي أبناءه وأولياءه.. وهذه الكرامة التي كرم الله بها الإنسانية في كل فرد من أفرادها، هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين بني آدم" - ( نظرات في الإسلام ص 164)”
“و سيظل عسيرا على العالم العربي ، أن يستوعب مدى تعلق أعاجم المسلمين بدينهم ، ما لم يدرك حقيقة المشاعر الجياشة التي تعمل بين جنبات تلك الملايين المؤمنة . المبعثرة بين "غانه وفرغانه" بتعبير الجغرافيين العرب القدامى ، أولئك الذين تلقوا الإسلام منذ قرون ، ثم تقطعت بيننا و بينهم السبل ، بعد إذ تغيرت خرائط التاريخ و أقيمت حوائط الجغرافيا . لكنهم ظلوا قابضين على الجمر . قلوبهم تتحرق شوقا إلى وصل ما انقطع مع ديار الإسلام ، و أحلامهم العطشى - و أبصارهم - تعلقت بالعالم العربي . الذي هو عندهم منبر الإسلام و بيته ، و فيه كعبة المسلمين و قبلتهم .”