“جلس متألما على ركبتيه يحدق من النافذة إلى السماء الغارقة في الظلام ويستمعإلى أنينها الذي ملأ أركان المستشفى.أدار وجهه محدقاً بالطبيب، مستنجدا به لكنه أعاد اجابته التي قالها منذ ساعات طويلة «يجب أن ننتظر نور الشمس حتى أجريت لها العملية، ان الضوء لا يكفي لإجراء الجراحة الآن».خرج من المستشفى هاربا من عجزه على انقاذها والتخفيف من ألمها، يمشط الطرقات ويجر قدميه التي تحملان ألمه بتكاسل، ان الليل طويل وأمه تكاد تموت من المرض، وكلما سمع صوت أنينها طعن قلبه المرهف بسكين العجز، وتمنى لو كان هذا الألم يصيبه ويمزقه لكن لا يمسها بسوء.كان يسترجع ذكرياته معها، فهي الوحيدة التي آمنت بقدراته عندما وصفه المدرس أنه طفل بليد وأعاده إلى المنزل بحجة عدم قدرته على التعلم وكيف وقفت بجانبه وجعلت منه انسانا عبقريا.وظل يتجول حتى تسللت خيوط النهار إلى السماء فشق طريقه بين الشوارع إلى المستشفى، وتهلل وجهه عندما اجرى الطبيب لوالدته العملية ولاقت النجاح.ووضع ألمه كدافع لنجاحه وعجزه اصرارا على استمراره، وفكر لأيام في اختراع آلة تمده بالنور ليلا حتى لايتكرر هذا الموقف لأي إنسان كان وأخبر مكتب تسجيل براءة الاختراع في واشنطن بفكرته ولاقى سخرية كالمعتاد، لكنه قال بفخر «ستقفون يوما لتسديد فواتير الكهرباء».وبعد محاولات فاشلة لا تعد ولا تحصى، أضاء توماس اديسون العالم وقال مقولته الشهيرة «ان أمي هي التي ولدتني، لأنها كانت تحترمني وتثق فيّ، أشعرتني أننى أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط».وبالفعل لم يخذلها أبدا، وإلى يومنا هذا لم يشهد العالم مخترعا كتوماس اديسون، فقارئي العزيز عندما تألم اديسون أضاء العالم وعندما تألمت أنت ماذا فعلت للعالم؟!”
“الذي أدريه الآن يقيناً، أن من يصعد إلى هذا المرتقى يوماً، لا يعود كما كان من قبل الارتقاء، ويظل يهفو أبداً إلى هذا الارتقاء، لهذا لم أعد أرى في جنون متسلقي قمم الجبال جنوناً، بل هي رغبة مطلقة في الانعتاق من شقاء العالم الأرضي وملامسة مطلق النقاء الذي لم يمسسه بشر أو لم يلوِّثْه بعد.”
“عفواً كانت الشمس تهرب من منظرنا التراجيدي ، لتسارع في إسدال الليل ستار على الفضيحةالإنسانية التي تمثل أمامها ، واذا كان للشمس بعد الليل شروق , فإن ليلنا الذي جاء في اليوم التالي لم تشرق من بعده شمس ، ولا حتى بزغ فيها اي ضياء لنجم أو قمر ... ظل الليليسكننا حتى نسينا من نحن وظل يغلف قلوبنا حتى ظننا ان النهار لا يطلع إلا في الحياة الآخرة ، أو يطلع ابدا كنا منزوعين من الحياة من ابسط مظاهرها...”
“وحدهم العرب راحوا يبنون المباني ويسمّون الجدران ثورة. ويأخذون الأرض من هذا ويعطونها لذاك، ويسمّون هذا ثورة.الثورة عندما لا نكون في حاجة إلى أن نستورد حتى أكلنا من الخارج.. الثورة عندما يصل المواطن إلى مستوى الآلة التي يسيّرها.”
“ولقد نفت نظره أن السماء التي تظلل الجميع واحدة سواء كان ذلك في أوراسيا أو إيستاسيا أو حتى هنا في أوقيانيا، كما أن الناس الذين تظللهم السماء يتشابهون إلى حد كبير أينما كانوا، ففي جميع أنحاء العالم يعيش مئات ألوف من ملايين الأشخاص على هذا المنوال، حيث يجهل بعضهم وجود بعض، وتفصل بينهم جدران من الكراهية والأكاذيب ومع ذلك فإنهم متماثلين. أناس لم يتعلموا أبدًا كيف يفكرون ولكنهم يختزنون في قلوبهم وبطونهم وعضلاتهم القدرة التي يمكن في يوم من الأيام أن تقلب نظام العالم.”
“للوهلة الأولى أدرك أنه أمام إنسان محطم تماما.. إنسان خلق ليتعذب حتى الموت.. لا يصادفه المرء كثيرا في الحياة.. خيل إليه أن هذا الإنسان ملحوم في أكثر من مكان لأن به عديدا من الشروخ وانه يمكن أن يتفسخ بين أصابعه بسهولة شديدة إذا لم يمسكه بحذر تام، لكنه لم يستطع للحظة خاطفة أن يقاوم رغبة شريرة آثمة في أن يضحك من هذا الإنسان الغريب الملامح كأي رجل آخر في العالم.. هذه الرغبة التي لا يمكن مقاومتها.. الإنسانية تماما”