“و نعطي مثلا لهذا التفاوت فى الرتب فيما يشعر به كل منا في حياته الخاصة .. من تفاوت المستويات التى يمكن أن يعيش فيها .. لانقصد مستويات الدخل .. و إنما نقصد شيئاً أعمق .. نقصد المستويات الوجودية ذاتها.فالواحد منا يمكن أن يعيش على مستوى متطلبات جسده ، كل همه أن يأكل و يشرب و يضاجع كالبهيمة.و يمكن أن يسكت ذلك السعار الجسدى ليستسلم لسعار آخر هو سعار النفس بين غيرة و حسد و غضب و شماتة و رغبة فى السيطرة و جوع للظهور و تعطش للشهرة و استئثار لأسباب القوة بتكديس الأموال و الممتلكات و تربص لاصطياد المناصب.و أكثر الناس لا يرتفعون عن هذه الدرجة و بموتون عليها و لا يكون العقل عندهم إلا وسيلة احتيال لبلوع هده الأسباب.و الحياة بالنسبة لهذه الكثرة غابة و الشعور الطبيعي هو العدوان و تنازع البقاء و الصراع .. و الهدف هو التهام كل ما يمكن التهامه و انتهاز ما يمكن انتهازه .. و الواحد منهم تجده يتأرجح كالبندول من لهيب رغبة إلى لهيب رغبة أخرى .. يسلمه مطمع إلى مطمع و هو فى ضرام من هذه الرغبات لا ينتهي.و هناك قلة تكتشف زيف هذه الحياة و تصحو على إدراك واضح بأن هذا اللون من الحياة عبودية لا حرية. و أنها كانت حياة أشبه بالسخرة و الأشغال الشاقة خضوعا لغرائز همجية لا تشبع و أطماع لا مضمون لها و لا معنى و لا قيمة .. كلها إلى زوال.فتبدأ هذه القلة القليلة فى إسكات هذا الصوت و فى تكبيل هذه النفس الهائجة ، و قد اكتشف أنها حجاب على الرؤية و تشويش على الفهم.و هكذا ترتفع هذه القلة القليلة فى الرتبة لتعيش بمنطق آخر .. هو أن تعطي لا أن تأخذ .. و تحب لا أن تكره .. و تصبح هموم هذه القلة هى إدراك الحقيقة.و على هذه القلة تنزل سكينة القلب فيتذكر الواحد منهم ماضيه حينما كان عبداً لسعار نفسه و كأنه خارج من جحيم !و مثل هؤلاء يموتون و قد انعتقوا من وهم النفس و الجسد و بلغوا خلاصهم الروحي و أيقنوا حقيقة ذواتهم كأرواح كانت تبتلى فى تجربة.و ما أشبه الجسد - فى الرتبة - بالتراب. و النفس بالنار و الروح بالنور. و هى مجرد ألفاظ للتقريب. و لكنها تكشف لنا أن حكاية الرتب هى حكاية حقيقية .. و أن كل من يموت على رتبة يبعث عليها و أن هذا هو عين العدل و ليس تجبرا .. و قد يكون العذاب فوق الوصف إذا تجردت النفوس من أجسادها الترابية و ل يبق منها إلا سعار خالص و جوع بحت و اضطرام مطلق برغبات لا ترتوي ثم عدوان بين نفوس شرسة لا هدنة بينها و لا سلام و لا مصالحة إلى الأبد .. على عكس أرواح تتعايش فى محبة و تتأمل الحق فى عالم ملكوتي.أكاد أجزم بأن ألفاظ القرآن بما فيها من جلجلة و صلصلة حينما تصف الجحيم إنما هى نذير حقيقى بعذاب فوق التصور سوف نعذبه لأنفسنا بأنفسنا عدلاً و صدقاً على رتبة استحقها كل منا بعمله .. و أكاد أضع يدي على الحقيقة .. لا ريب فيها”
“إن فى الإنسان منطقة عجيبة سحيقة لا تصل إليها الفضيلة و لا الرذيلة، و لا تشع فيها شمس العقل و الإرادة، و لا ينطق لسان المنطق، و لا تطاع القوانين و الأوضاع، و لا تتداول فيها لغة أو تستخدم كلمة .. إنما هى مملكة نائية من عالم الألفاظ و المعانى .. كل ما فيها شفاف هفاف يأتى بالأعاجيب فى طرفة عين .. يكفي أن ترن فى أرجائها نبرة، أو تبرق لمحة، أو ينشر شذا عطر، حتى يتصاعد من أعماقها فى لحظة من الإحساسات و الصور و الذكريات، ما يهز كياننا و يفتح نفوسنا على أشياء لا قبل لنا بوصفها، و لا بتجسيدها، و لو لجأنا إلى أدق العبارات و أبرع اللغات ،،،”
“الحزن رفيق للانسان و لكن هناك حزن هلفوت و حزن مقدس و صاحب الحزن الهلفوت يحمله على رأسه و يدور به على الناس .. التقطيبة على الجبين و الرعشة فى أرنبة الأنف و الدمع على الخدين .. ياللالى ! و هو يدور بها على خلق الله يبيع لهم أحزانه و هو بعد فترة يكون قد باع رصيده من الأحزان و تخفف و يفارقه الحزن و تبقى آثاره على الوجه ، اكسسوار يرتديه الحزين الهلفوت و يسترزق . و لكن الحزن المقدس هو الحزن العظيم ، و الحزن العظيم نتيجة هموم عظيمة ، و الهموم العظيمة لا تسكن إلا نفوساً أعظم .. و النفوس الأعظم تغلق نفسها على همها و تمضى و هى تظل إلى آخر لحظة فى الحياة تأكل من الحزن و الحزن يأكل منها و يمضى الإنسان صاحب الحزن العظيم - ككل شىءفى الحياة - يأكل و يؤكل و لكن مثله لا يذاع له سر و قد يمضى بسره إلى قبره ! و لذلك ما أسهل أن تبكى و ما أصعب أن تضحك”
“هذه هى مشكلة العرب ، نزلت لهم السماء كى مشوا بها ، فمشوا عليها ..لذا لا يمكن أن تظلهم من جديد حتى ينقلبوا رأسا على عقب ، فى كل أشيائهم . و أول ذلك لا بد أن يكون مع معبدهم و نصهم .. أحكامهم و تاريخهم”
“كيف تحافظ الزوجة على زوجها و تجعل حبه يدوم ؟ ..لا توجد إلا وسيلة واحدة .. أن تتغير .. و تتحول كل يوم إلى امرأة جديدة .. و لا تعطى نفسها لزوجها للنهاية ، تهرب من يده فى اللحظة التى يظن أنه استحوذ عليها ، و تنام كالكتكوت فى حضنه فى اللحظة التى يظن أنه فقدها .. و تُفاجئه بألوان من العاطفة و الاقبال و الادبار لا يتوقعها .. و تحيط نفسها بجو متغير .. و تُبدل ديكور البيت و تفصيله .. و ألوان الطعام و تقديمها .على الزوجة أن تكون غانية لتحتفظ بقلب زوجها شابا مشتعلا ..و على الزوج أن يكون فناناً ليحتفظ بحب زوجته ملتهباً متجدداً ..عليه أن يكون جديداً فى لبسه و فى كلامه و فى غزله .. و أن يغير النكتة التى يقولها آخر الليل .. و الطريقة التى يقضى بها إجازة الأسبوع .. و يحتفظ بمفاجأة غير متوقعة ليفاجئ بها زوجته كل لحظة ..”
“فما يخدع الطغاة شئ ما تخدعهم غفلة الجماهير، وذلتها، وطاعتها، وانقيادها، و ما الطاغية إلا فرد لا يملك فى الحقيقة قوة و لا سلطانا ، و إنما همى الجماهير الغافلة الغافلة الذلول، تمطى له ظهرها فيركب ، و تمد له أعناقها فيجر ، و تحنى له رؤوسها فيستعلى ، و تتنازل له عن حقها فى العزة و الكرامة فيطغى ، و الجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة ، و خائفة من جهة أخرى ، و هذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم ؛ فالطاغية - و هو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف و الملايين ، لو أنها شعرت بإنسانيتها و كرامتها و عزتها و حريتها”