“الذي أدريه الآن يقيناً، أن من يصعد إلى هذا المرتقى يوماً، لا يعود كما كان من قبل الارتقاء، ويظل يهفو أبداً إلى هذا الارتقاء، لهذا لم أعد أرى في جنون متسلقي قمم الجبال جنوناً، بل هي رغبة مطلقة في الانعتاق من شقاء العالم الأرضي وملامسة مطلق النقاء الذي لم يمسسه بشر أو لم يلوِّثْه بعد.”
“وها هي قمة إفرست نحوم حولها ونصعد رويدا رويدا، إننا نرتقيها ونتعلق، نحدق مذهولين. تشبه هرما رماديا سرمديا موشى بالثلوج بين القمم الناصعة. أُمعِن. ثمة هالات من النور تحيط شفيفة خفيفة بقمة الهرم. أتراه وهم روحي، أم زيغ بصري، أم ارتداد ضوء الشمس عن مرايا أصفى ثلوج الأرض؟ لا أدري، ولن أدري. الذي أدريه يقينا أن مَن يصعد إلى هذا المرتقى يوما، لا يعود كما كان قبل الارتقاء، ويظل يهفو أبدا إلى هذا الارتقاء، لهذا لم أعد أرى في جنون متسلقي قمم الجبال جنونا، بل هي رغبة مطلقة في الانعتاق من شقاء العالم الأرضي، وملامسة مطلق النقاء الذي لم يمسسه البشر أو لم يلوثوه بعد.”
“ولون آخر داكن يتكون من: حمرة الدم، وسواد شظايا البازلت الذي يقطعه العبيد بدانات المدافع، وبُنِّيِّة صدأ القيود حول الأعناق وفي الأقدام.. وعتمة بطون بيوت العبيد وأجواف السفن التي تعبر بحر الظلمات، وسواد قلوب المجرمين الذين لم يكفوا عن تجارة العبيد حتى الآن، وإن بأشكال أخرى، حداثية، وما بعد حداثية.”
“ما الغربة؟ لقد أجهدت نفسى لأحلل ما يمكن أن تكونه، ووصلت -بعد تفحصى للاحتمالات الكثيرة- إلى أنها يمكن أن تكون العيش فى مكان لا تعطى فيه ولا تأخذ عطاءً حقيقيًا وأخذًا من المشاعر.. مشاعر لا يحتملها واجب اللياقة بل تتفجر بتلقائية وتنساب بلا عمد كأنها مياه الينابيع تتفجر لفرط اكتنازها تحت الأرض وتسيل إلى حيث ينتظرها ويتلقف المنخفض. مرة تكون أنت النبع وأخرى تكون المنخفض. لكن الغربة ببساطة تجعلك شيئا مسطحًا، أو ناتئًا ومحجوزًا بسور عال من الدلالات العميقة للغة، وإرث تقاليد المكان وأعرافه وخبراته الحياتية ومشاعره.من تعطى ومن يعطيك حقيقة وأمامك كل هذا السور؟”
“في هذا البعد الذي فررت إليه رافعا شعار " لا العين ترى ولا القلب يوجع" و ها هي العين لم تعد ترى صور الهموم في وطني، و صار القلب حقا لا يوجع. لكن -هذا القلب- ليس معافى بل صار يمسكه الوهن”
“تساندنا بتماس مرهف كاننا في فضاء.. مجرد طائرين مبحرين في حنين، أحدهما نحو مكان بعيد و الآخر نحو زمان بعيد.. التقينا في نقطة عابرة، فتأسيا بلحظة نادرة من لحظات توقف الزمان و إمتزاج المكنة. لم أعرف اسمها، ولم تعرف اسمي.. وإني لأهديها الأغنية”