“انظر ..أترى ثمة شعباً مستعبداً يجتمع كما تتراكم الأنقاض، و يتفرق كما تتبدد، و ليس منه فى الاجتماع و التفرق إلا صورتان للخراب كالبومة فى التشاؤم؟ إنك لتنتظر الشعب الذى يحلم و هو مستيقظ؛ ألا تراه يعمل على السخرة و يطيع بالإرادة أو بالوهم الذى صار له كالإرادة، و يشك فى أنه يخاف من المستبد أو يخاف من أن يشك فيه، و يرجو على قوّته ما يرجوه الأجير أن يملك يده ساعة ليتناول بها لقيمات يُقمن صلبه و أن ينتهى عمل يومه ليوقن أنه إنسان كالناس له يد يملكها؟ هذا دأب الاستبداد و دأب الشعب الضعيف الذى ابتلى بالنقص عن مكافأة المستبد به و مساواته؛ و كثيراً ما لا يكون هذا النقص فيه إلا بمقدار درهم واحد من الفضة التى نزلت عن مقدار الذهب. و لكن أين هذا الدرهم المتمم؟ درهم واحد من الشعب يكون الشعب كله و يجعله مالكاً بعد أن كان مملوكاً، و حاكماً بعدأن كان محكوماً، و يخرجه فى التاريخ من رتبة ألى رتبة.”
“أنا لم أفقد الثقة فى هذا الشعب، هذا الشعب عجيب، يحنى رأسه و هو يلعن ظالميه، يحسب الظالمون انه استسلم ، و إنما هو يستعد للإنقضاض ، و مع ذلك فإن الإرهاب قادر على أن يسحق الحقيقة ، و يدفنها فى التراب و لكنى مؤمن بأن الحقيقة لابد فى يوم من الايام ان تخرج رأسها من الترابالحقيقة تدفن و لا تموت”
“كيف تحافظ الزوجة على زوجها و تجعل حبه يدوم ؟ ..لا توجد إلا وسيلة واحدة .. أن تتغير .. و تتحول كل يوم إلى امرأة جديدة .. و لا تعطى نفسها لزوجها للنهاية ، تهرب من يده فى اللحظة التى يظن أنه استحوذ عليها ، و تنام كالكتكوت فى حضنه فى اللحظة التى يظن أنه فقدها .. و تُفاجئه بألوان من العاطفة و الاقبال و الادبار لا يتوقعها .. و تحيط نفسها بجو متغير .. و تُبدل ديكور البيت و تفصيله .. و ألوان الطعام و تقديمها .على الزوجة أن تكون غانية لتحتفظ بقلب زوجها شابا مشتعلا ..و على الزوج أن يكون فناناً ليحتفظ بحب زوجته ملتهباً متجدداً ..عليه أن يكون جديداً فى لبسه و فى كلامه و فى غزله .. و أن يغير النكتة التى يقولها آخر الليل .. و الطريقة التى يقضى بها إجازة الأسبوع .. و يحتفظ بمفاجأة غير متوقعة ليفاجئ بها زوجته كل لحظة ..”
“لا مفر للخلق من العبودية، و أنى لهم المفر و السماء فوقهم و الشرائع تحت السماء و القوانين تحت الشرائع و الرذائل تحت القوانين و الوحشية تحت الرذائل؟ فويل للمستضعفين الذين يفرون من كل فرجة بين المخالب و الأنياب و فى أرجلهم القيود الثقيلة، و ويل للإنسان الذى لا يكتفى بالله فى سمائه حتى يستعبد لصفاته فى أهل الأرض؛ فالجبروت فى الملوك و الكبرياء فى الحكام، و التقديس فى القوانين عادلة و ظالمة، و العزة فى القوة و ماذا بقى لله ويحك؟”
“- ما لى أنا و للأمة التى تتحدث عنها؟!- انك تحاول حرمانها الزعيم الذى طالت لهفتها عليه و تاقت لرؤياه.- لا عليك.. دعها و شأنها.. الزعماء بها كثيرون.- كثيرون أيها الأحمق؟! ان هذا زعيم حقاً.- زعيم حقاً.. ماذا تعنى؟- ماذا أعنى؟.. لقد سبق أن قلت ماذا أعنى.. انى أعنى أنه زعيم ولد لكى يكون زعيماً.. صنعته فى الحياة هكذا.. خلق لإنقاذ هذه الأمة.. انه ألزم شىء إلى هذا الشعب فى هذا الوقت.. انه الشىء الذى يفتقده الشعب.. فلا يجده.. هل عرفت ماذا أعنى بالزعيم؟- تكلم.. تكلم.. الظاهر أنك تعنى شيئاً آخر يختلف تمام الإختلاف عما طبع فى ذهنى.. قل ماذا تعنى بالزعيم أيضاً؟!- الزعيم الذى لا يريد أن يكون زعيماً.. و لا يأبه أبداً أن يقول الناس عنه زعيم.. انه يؤمن بأن له رسالة يؤديها.. و هدفاً يقصد اليه.. و أغراضاً يسعى لتحقيقها.. و قد أهله الله لتأدية الرسالة.. و هيأه للوصول الى الهدف.. و لتحقيق الأغراض، لقد وهب له من المواهب ما يجعله يؤدى رسالته بيسر و اخلاص.. و يشعر من قرارة نفسه.. و من طريقة خلقه.. ان ذلك هو عمله، يؤديه بلا تكلف و بمهارة و ثقة و بلا اعوجاج أو خلط.. كالموسيقى الموهوب أو الشاعر الملهم لا جهد فى عملهما و لا مشقة و تكلف.. بل يفعل عمله و هو يشعر أنهه لا يستطيع أن يفعل سواه.. أفهمت؟من رواية " البحث عن جسد”
“حديث القمر: والغيب كسجل أسماء الموتى تختلف فيه الألفاب, و تتباين الأحساب و الأنساب , و تتنافر معانى الشيب من معانى الشباب , و هو يعجب ممن يسمونه بغير اسمه و لا يعلمون أنه كتاب ٌ فى تاريخ عصر من عصور التراب”
“و لا يذهبن عنك أن الرجل المؤمن القوي الإيمان الممتلئ ثقةً و يقيناً و وفاءاً و صدقاً و عزماً و إصراراً على فضيلته و ثباتاً على ما يلقى في سبيلها - لا يكون رجلاً كالناس , بل هو رجل الإستقلال الذي واجبه جزء من طبيعته و غايته الساميه لا تنفصل عنه , هو رجل صِدق المبدأ , و صدق الكلمة , و صدق الأمل , و صدق النزعة , و هو الرجل الذي ينفجر في التاريخ كلما إحتاجت الحياة الوطنية إلى إطلاق قنابلها للنصر .”