“إن كلمة نقد ليست موضع ترحيب في عالمنا العربي ، لأن هذه اللفظة مرتبطة في أذهاننا بالثلب والقدح والتنقص ، غير أن هذا ليس بلازم ، فربما كان النقد إبرازا للجوانب الإيجابية كما هو إبراز للجوانب التي تحتاج إلى إعادة نظر ، وربما كان النقد كشفا للمسكوت عنه ، وإظهار للجانب اللامفكر فيه ، وربما كان وصفا للواقع فقط من دون إصدار حكم بالضرورة”
“ليس من الإيجابية في شيء، أن ترسم صورة زاهية وبراقة لعالم بائس وتعيس؛ لأن هذه الصورة البراقة والمزيفة ستعطل في داخلك إرادة تغيير العالم وإعادة بنائه بصورة أكثر عدلاً واتساقًا.. ليس من الإيجابية في شيء، أن تضع نظارات وردية على عينيك، لتغطي الدم الذي يلطخ العالم، والجهل الذي يكتسح العالم، والجوع الذي يكتسح العالم.. ليس من الإيجابية في شيء، أن تركز بعينيك على العالم المترف، والناس المتخمة بطرًا وثراءً بينما هناك عالم آخر، مدقع الفقر، يعيش فيه ناس آخرون، لا يمتلكون ما يسدون به جوع أطفالهم..ليس من الإيجابية في شيء، أن تعتقد أن على “الأرض السلام، وفي الناس المسرة” وتشيح بوجهك عن كل ما يعارض ذلك.. من حروب ودماء وحزن وظلم تعيش فيه الإنسانية..ليس من الإيجابية في شيء، أن تؤمن بأمل كاذب طويل؛ لأن هذا الأمل، سيزيف المعطيات التي سيكون العمل على أساسها، ومن ثم فإنه إما سيعطل إرادة العمل، أو يضعه في سياق غير مؤثر، فما دام العالم جيدًا هكذا، فلماذا نغيره؟.. احرص فقط على استمراره كما هو..الإيجابية الحقيقية، التي يمكن أن توظف في سياق إيجابي، ليست تلك التي تجعلك تتعايش مع الواقع السيء عبر الاقتناع أنه ليس سيئًا جدًا، بل أنه مليء بالإيجابيات ليسهل ذلك تأقلمك معه، هذه ليست إيجابية، هذه فقط “آلية إنكار”، حبة مسكن للألم، حقنة مخدرة تجعل الألم أقل..الإيجابية الحقيقية هي التي تنطلق من حقيقة أن الواقع سيء جدًا، وأنه مليء بالظلم والقهر والتمييز والجهل وكل ما هو سلبي وسيء.. لكنها تنطلق من هذه الحقيقة لا لكي تتجه للنواح والندب واليأس، بل لكي تؤكد أن ذلك كله مع سلبيته ليس قدرًا مقدورًا، ليس حتمًا مقضيًا، بل هو شيء يمكن تغييره، شيء يمكن العمل عليه وعلى إزالته واسئصاله من جذوره إذا كان الخطأ من أساسه، وعلى تشذيبه وترميمه إذا كان الخطأ ناتجًا عارضًا..الإيجابية هي أم تعترف أن الواقع –أحيانًا، على الأقل- سيء جدًا، وأن العالم –أحيانًا أيضًا- هو عالم “لا يطاق”..ـلكن الأمر هنا، هو أن تؤمن، أن ذلك كله ليس نهاية الأمر.. ليس مرساه..بل أن تؤمن أنك تطيق تغيير هذا العالم.. مهما كان ذلك صعبًا.. مهما كان ذلك شاقًا..يجب أن تؤمن أنه ليس مستحيلاً..ولو بعد حين…”
“الناس يدركون في وقت مبكر جداً مبرر وجودهم وربما كان هذا بالذات هو السبب في أنهم يتخلون عنه مبكراً جداً أيضاً، ولكن هذا هو حال العالم.”
“إن الانسان يميل إلى إنشاء الطرق والخلق والابتكار، وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن لماذا يملك مثل هذا الميل والاندفاع الشديد إلى الدمار والفوضى أيضاً؟ هلا أجبتموني عن ذلك؟ بيد أنني أريد أن أقول بعض الأمور عن هذا بنفسي. أفلا يكون ذلك لأن الانسان يحب الفوضى والدمار؟ ( ولا جدال في أنه يحبهما أحياناً) لأنه يخشى خشية فطرية من حصوله على هدفه ومن اكماله للشيء الذي يقوم ببنائه؟ ومن يعلم؟ فربما يحب الانسان ذلك البناء إذا كان بعيداً عنه ولا يحبه إذا كان قريب التحقيق، وربما كان يريد أن يبنيه دون أن يكون راغباً في العيش فيه، وإنما يريد أن يتركه بعد الانتهاء منه لتعيش فيه لحيوانات الداجنة والاليفة – كالنمل والماشية إلى غير ذلك. بيد أن للنمل مزاجاً آخر، فلديه بناء عجيب من ذلك الطراز ، ولكنه باق أبداً.”
“ترتب على هذه الفوارق أن اختلفت نظرة الرجال الثلاثة إلى منصب رئيس الجمهورية. فبينما كان هذا المنصب في نظر عبد الناصر جَداً محضاً، كان في نظر السادات مزيجاً من الجد والهزل، أما في نظر مبارك فقد كان قضاء وقدراً لا يَعرف بالظبط كيف آل إليه.”
“لم نثبت في بحثنا هذا واقع الحرية، إنما أثبتنا حلم الحرية أو بتعبير عصري طوبى الحرية. قد يقال: هذه نتيجة تافهة وربما هذا كان رأي المستعربين. لكن وجود طوبى الحرية في مجتمع ما مهم جدًا لأنه يدل على أن المجتمع مستعد لقبول الدعوة إلى الحرية. ويطرح هكذا مشكل التأثير الخارجي في نطاق آخر. إن الاسئلة التي يطرحها المستشرقون والتي سنطرحها بدورنا فيما بعد حول التأثير الأوروبي في المجتمع العربي مرتبطة بوجود أو انعدام طوبى الحرية.”