“هل كنت تظن أن الطب يقتصر على فحص المريض ، وكتابة الدواء ، والتباهي بالرداء الأبيض ؟ الطب الحقيقي أعمق من ذلك بكثير ، إنه التعامل مع الإنسان بكل ما في هذه الكلمات من المعاني والظلال”
“وسمع في رأسه صدى كلام استاذه الكندي د/تومسون الذي كان يردد دائما (الكلام مع المريض علم وفن، يحتاج الى الكثير من الخبرة والمهارة ؛ولذلك يتفاوت الأطباء فيه.عليك اولا ان تتفهم المريض وعائلته ،مامستوى التعليم عندهم ؟كيف ترابطهم في الأسره؟هل هم من النوع القلق ؟هل هم من النوع الذي يحب التفاصيل؟وبعد جمع أكبر قدر من المعلومات عمن امامك،تفصّل له جرعة المعلومات التي تعطيه إياها وطريقة اعطاء المعلومات وكأنك تكتب له جرعة الدواء الذي تعطيه وطريقة اعطائه)”
“و لا أجد فيما اجتمع عندي من القصص و الأمثلة قصة هي أكثر إبهاراً من قصة جرير ابن عبد الله رضي الله عنه، [....] و اختصارها أن جريراً رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري له فرساً، فاشترى له فرساً بثلاث مائة درهم، و جاء به و بصاحبه لينقده الثمن. فلما اطلع جرير على الفرس رأى أنه يستحق أكثر من ثلاث مائة درهم، فقال للرجل: فرسك هذا خير من ثلاث مائة درهم، أتبيعه بأربع مائة درهم؟ فقال الرجل: أجل، قال جرير، و الله إنه لخير من أربع مائة، أتبيعه بخمس مائة؟... و لم يزل جرير بالرجل يزيده مائة بعد مائة إلى أن بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه منه. فقيل لجرير في ذلك: فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصح لكل مسلم. ففي هذه القصة العجيبة دليل على أن معنى النفع المتحقق للإنسان من العلاقة لا ينحصر في الإسلام على النفع الدنيوي و إلا لاعتبرنا هذه العلاقة في هذه القصة من علاقات (أخسر أنا و يربح الآخرون) و لكنها في المفهوم الإسلامي من صميم (أربح أنا و يربح الآخرون.) و بالمناسبة، فالقصة أيضاً دالة دلالة عظيمة على عادة المبادرة. فهذه الشخصية العظيمة قدمت مبادئها و قيمها و مراقبتها لله تعالى و احترامها للعهد الذي أخذته على نفسها أمام النبي صلى الله عليه و سلم على المنفعة الذاتية الوقتية، و بذلك تجلت فيها القمة من المبادرة في أسمى معانيها و أروع تطبيقاتها. كما أن فيها تطبيقاً للعادة الثانية حيث قدم جرير رضي الله عنه المهم في نظره (و هو نفع أخيه المسلم و عدم غشه و المحافظة على العهد بالنصيحة لكل مسلم) على العاجل الملح الأقل أهمية (و هو الاكتساب من هذه الصفقة.)و بهذا ترى أن موقفاً واحداً يمكن أن يكون فيه إبراز للعادات الثلاث معاً مما يبرهن على عظيم تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة على مبادئ النجاح و الفاعلية بشكل عملي و مؤثر، و يدل أيضاً على أن هذه العادات السبع هي فعلاً منظومة فكرية و عملية مترابطة.”
“فارجعوا هو أزكى لكم..و نبه في أدب الاستئذان إلى تقديم المهم على الطارئ، فأمر المستأذن أن يرجع إذا لم يؤذن له بعد ثلاث، ذلك أن المطروق عليه قد يكون في شغل هو أهم من هذا الطارئ الذي طرأ عليه، قال تعالى (و إن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم). و هذا واضح في تقديم المهم على الطارئ و قول: (لا) للطارق الطارئ إذا كان الإنسان مشتغلاً بالمهم، و وجوب قبول ذلك منه.”
“إذن فالإسلام حسم هذه القضية بأن أعطانا البوصلة التي تدلنا على الاتجاه الحقيقي الذي ينبغي أن نسعى إليه، هذه هي بوصلتنا، و هذه هي رسالتنا في الحياة. بيد أنه ترك لنا الحرية كاملة و المجال متسعاً لنصوغ ضمن هذه الرسالة أهدافنا البعيدة و القريبة و أدوارنا المتعددة، على ألا نفقد الاتجاه أو نهمل البوصلة (و أن إلى ربك المنتهى).”
“إذن كل العوامل الخارجية مهما بدت ضاغطة و قوية و موجبة لردة الفعل التقليدية؛ فإنها عند الشخص المبادر لسيت سوى عوامل مؤثرة قد تدفعه إلى سلوك أو شعور ما، و لكنه يعرف في نهاية الأمر أنه إنسان حر مبادر، و أن بإمكانه دوماً أن يقف لحظة و يقرر ردة الفعل التي يريدها بناءً على مبادئه و أهدافه، و ليس بناءً على ظروفه و محض مشاعره. و هذا المعنى معنىً عظيم؛ لأنه يحرر الإنسان من الأوهام و المثبطات، و يعطيه الحرية النفسية و يعينه على تخطي العقبات المختلفة.”
“إن الإنسان يحكم على نفسه بالموت عندما يتوقف عن التعلم والتأمل.”