“ونحن نرى أن المسلم يعذب على ذنوبه لأمرين: أولهما أنه أساء فى خاصة نفسه، فالجزاء المرصد له عدل.والآخر أنه أساء للإسلام نفسه إذا تعاون مع غيره من الرعاع على إظهار الأمة فى صورة تحقر دينها وتصرف الناس عن الثقة فيه والطمأنينة إليه.”
“التبعة ليست على رعاع يمزقون شمل الأمة بتعصبهم ،وإنما تقع التبعة على علماء يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بأن للمجتهد أجرين إذا أصاب، وأجرا إذا أخطأ.ولو فرضنا جدلا أن الحق مع الحنابلة والأحناف فى أنه لاقنوت فى الفجر فمن الذى يحرم مالكا والشافعى أجر المجتهد المخطئ.وإذا كان من يخالفنا فى الرأي مأجورا فلم نسبه ونحرجه ونضيق عليه للخناق؟؟المشكلة التى نطلب من أولى الأ لباب حلها هى معالجة نفر من الناس يرون الحق حكرا عليهم وحدهم، وينظرون الى الأخرين نظرة انتقاص واستباحة!الواقع أن الأمراض النفسية عند هؤلاء المتعصبين للفرعيات تسيطر على مسالكهم وهم-باسم الدين-ينفسون عن دنايا خفية! وعندما يشتغل بالفتوى جزار فلن تراه أبدا إلا باحثا عن ضحية!!”
“وقد نعى القرآن على قوم أغلقوا عقولهم على رأى فلم يفهموا سواه ولم يفكروا فيما عداه زاعمين أن الخير فيه وحده فقال فيهم (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). يجب ألا نأخذ رأينا كقضية مسلمة، ولا أن نقبل كلام غيرنا دون مناقشة وتدبر.بل يجب أن نبحث عن الحق، ونجتهد فى الوصول إليه، فإذا عرفناه عرفنا الرجال على ضوئه وصادقناهم أو خاصمناهم على أساسه . إن المسلم الصادق هو الذى يعرف الرجال بالحق، أما أولئك الذين يعرفون الحق بالرجال ويثقون فى أى كلام يلقى إليهم لأنه صادر عن فلان أو فلان ، فهم أبعد الناس من فهم الإسلام، بل هم آخر من يقدم للإسلام خيرًا أو يحرز له نصرًا.”
“أن تغيير المنكر، وهو مطلوب من الأمة، لا يعطى هذا الحق كل إنسان! لأن تعريف المنكر نفسه، يختلف فيه الغوغاء مع الفقهاء.. فقد يرى بعض الناس أن تصوير شخص فى ورقة معصية وكبيرة من الكبائر، وإن امرأة كشفت وجهها جريمة.. لابد من وضع حدود ليعلم كل إنسان الدائرة التى يمكن أن يؤدى فيها واجبه الدينى”
“وما أغرب الناس، إنهم يشتهون الدنيا، وينحنون لملاكها فى ضراعة ووضاعة، وفى الوقت نفسه يحرمونها على علماء الدين؟ ثم يحتقرونهم لفقرهم، ولكل ما يستتبعه الفقر من مسكنة وقلق. وكم يشعر الإنسان أنه بين نارين، إن سكت عن حقه فى الحياة ضاع واستمكن الرعاع من زمامه، وإن طلبه ـ فى بيئة ضنينة به ـ قيل: طلب دنيا يزاحم عليها.. إن أمثالنا من الدعاة إلى الله ينقلون أقدامهم بوجل فى سبيل مزحومة بالأقذاء والإنكار، لا يعين على السلامة فيها إلا الله، والذى لا نسأم دعاءه ورجاءه. وما أنكر من نفسى أنى أحب الدنيا، ولبئست هى إن كانت مهادنة لظالم أو إغضاء عن منكر.أما أن تكون دعما للحق، وغنى عن الأدنياء فنعما هى... إن وجه الرذيلة شائه فى بصرنا، وطعمها مر فى مذاقنا، ونحمد الله إذ أورثنا كرهها. أما طيبات الحياة التى تلهج الألسنة بالثناء، وتبعث الجوارح على الشكر فنعما هى، وما نستحيى من استحلائها والإكثار منها... وربما كان لبعض الناس جلادة على خشونة العيش، واصطبار على كآبة المنظر فى الأهل والمال، لكنى والله أضيق بهذا وأستعيذ بالله منه. ولست أطلب من الله سعة تشغل عنه، بل أطلب سعة تدفع إليه، وكثيرا يحصن من زراية السفهاء، ولعب الكبراء... فإن كان ذلك بابا إلى نقص العلم، أو هوان المنزلة يوم القيامة فنرجو أن يجعل الله بيننا وبينه حجابا غليظا وأمدا بعيدا..الجانب العاطفي من الإسلام”
“إن دنيا المؤمنين محكومة بحدود واضحة.وهى حدود تفطم الناس بصراحة عن كل محرم، وترسم لهم أسلوب انتفاعهم بهذه الدنيا إلى حين.وتأخذهم بأدب واضح من التعفف والقنوع بحجزهم عن الأهواء والأطماع وبدفعهم فى طريق الاعتدال والقصد.إن عظمة الإيمان ليست فى أنه يجرد أصحابه من الدنياوما يظن ذلك إلا جاهل قاصرعظمة الإيمان أنه يتيح لأصحابه امتلاك ما يشاءون على أن يكون ذلك فى أيديهم لا فى قلوبهم، ينزلون عنه جملة وتفصيلا فى ساعة فداء، ويحيون فى ظله ـ ما عاشوا ـ أعفاء سمحاء.”
“إن للإسلام أخلاقًا لا يمكن أن تنفك عن المسلم، إنها تصبغ سريرته، وتحد مسيرته، وتجعله يتوكل على الله، ويفوّض إليه أمره، ويتعلق برفده، ويؤجل من غضبه، ويتشبث بحبله، ويثق بما عنده، ويحب ويبغض فيه، ويعطي من أجله ويمنع، ويخاصم ويسالم ويختلط ويعتزل..”