“وإن الأصولية, إذ تدعي أنها مالكة الإسلام, إنما تحصر في العلماء والفقهاء, تفسير القرآن والسنة, وتنزع إلى إقامة نظام إكليركي, أو ثيوقراطية مفوضة ومرتهنة ترفض حق الشعوب في أية مشاركة حقيقية لبناء المستقبل.ليس الإسلام خزانا لحلول جاهزة. إذ في إمكان مبادئه أن توجه تفكيرا وبحثا دؤوبين, طالما دعا القرآن إليهما, وفي إمكانها أيضا أن تشق دروبا جديدة للخروج من الاتحطاطات المفروضة.لقد كسب إسلام العصر الأول, العالم من الأطلسي إلى بحر الصين, اكتسبه من جهة بثورة اجتماعية قطعت مع التصور الروماتي للملكية بوصفها "حق استعمال وإفراط", وحالت دون تكديس الثروة في قطب من المجتمع وتكديس الفقر في قطبه الآخر, واكتسبه من جهة ثانية بوحي إلهي كنس المذاهب المغلقة وامتيازات إمبراطوريتي فارس وبيزنطة المتحجرتين. لم يكن ذلك فتحا عسكريا, بل كان انفتاحا واستقبالا لكل الثقافات الكبرى, واعترافا بكل الأنبياء السابقين وبكل الروحانيات السالفة.”
“إن من يهملون في مقارناتهم أحوال العصر وما طرأ على الحياة من اختلاف، إنما يركبون بنا مركبا صعبا إن لم يكن مستحيلا، فليس حلا أن تخرج مجموعة إلى كهوف الصحراء الشرقية أو شعاب اليمن مهاجرة بما تحمل من عقيدة، آخذة بظاهر الأمر لا بجوهره، ظانة أن استعمال السواك، وتكحيل العين، وتجهيل المجتمع، والتسمي بأسماء السلف الصالحين، غاية المراد من تدين العباد، والمؤكد أن هذا ليس حلا، بل هو مصادمة بين الإسلام وأحوال العصر، لا مبرر لها إلا حسن النية وقصور الفهم في ذات الوقت، ولعلي أتساءل ويتساءل القارئ معي، هل هذا أجدى للإسلام والمسلمين، أم الأجدى أن نحلل على مهل أحوال عالمنا المعاصر، وأن نحاول جاهدين أن نقبل ما في المجتمع من أمور لم يكن لها في الصدر الأول للإسلام نظير أو مصدر للقياس، و أن نحاول وضع قواعد جديدة لمجتمع جديد، لا تهمل روح العصر ومتغيراته، وتقر في ذات الوقت حقيقة مؤكدة، وهي أننا نتعامل مع بشر، في مجتمع كان وسيظل الخطأ الإنساني جزءا من تكونه، والضعف البشري مكونا من مكوناته، وأن الأمر بدءا وانتهاء، يكون بالقدوة والموعظة الحسنة، والإرشاد إلى سواء السبيل بعقول متفتحة، وليس بالقهر والعنف وتجاهل الحقائق.”
“نحن مجتمعات ممزقة ؛ فبدلاً من الحفاظ على مجتمعٍ واحد خالٍ من الفقر الكافر والتّرف السّفيه ، تحوّلت المجتمعات المسلمة إلى عكس هذه الصورة ، مناقضة في ذلك لتعاليم القرآن التي تَحُول دون تركيز الثروة في يد فئة قليلة من الناس دون بقية أفراد المجتمع (( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ ))”
“إن من دعا إلى مبدأ : ( منا أمير ومنكم أمير ) لم يتعرض للاضطهاد ، ولم يصادر حقه في إبداء رأيه ، ولم تتم تصفيته بدعوى الحفاظ على النظام ؛ إذ أن الإسلام لا يقر مثل هذه الأساليب المحظورة شرعاً ، وكيف يُضطهد من يطالب بحقه في الشورى وحقه في أن يرشح نفسه لتختاره الأمة أو يختاره غيره ؟”
“وإن يكن مبتغاكم أن تنزلوا طاغية عن عرشه، فاعملوا أولاً على تحطيم ذلك العرش الذي أقمتموه له في قلوبكم. إذ كيف لطاغية أن يحكم شعباً حراً وأبياً ما لم يكن في حرية ذلك الشعب شيء من الاستبداد وفي إبائه شيء من الذل؟”
“ملعون في دين الرحمن... من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يُسكت رأياً.. من يبني سجناً.. من يرفع رايات الطغيان.. ملعون في كل الأديان.. من يُهدر حق الإنسان.. حتى لو صلّى أو زكّى وعاش العُمرَ مع القرآن”