“لم يبق للأقدام طريق تألفه وزاوية تتمدّد عليها. درب العودة إلى مكان أليف، بشوق و بطء وفرح، ما عادت ممكنة. صارت ممحوَّة. محتها الخطوات الراكضة وموت الألفة واستحالة العودة. محاها غياب المكان.”
“مَشَى خطوتيْن ولمسَ نبتةً زرعَها البارحةَ خرجَ نَسْغٌ من يديه إلى عروقِها خرجَتْ من عينيه أوراقٌ إلى غصونها وحينَ أرادَ العودة لم يَبْرَحْ مكانَهُ، كانت قدماهُ تحوَّلَتا جذورًا.”
“حين أراد القاعد أن يمشيواثبٌ من مكان إلى مكانحاملاً بندقيّةً ومحاولاًأن يحوّل حلمه إلى طيرإلى فراشة، ذبابة، صرصارحاملاً شبكةً، صفّاقةً، حذاءًلكي يقتله.يركض من مكان إلى مكان صافقاًُ هنا وهناكيقتل ذبابةً فتنبتُ فراشةيقتل فراشةً فينبت طير.قذفه حلمُه في الريحكان جالساً، فأراد مشياً وضاع حَلِمَ المسافاتففقد الأمكنة.واثبٌ حاملاً أيَّ شيء في طريقهكي يقتل الحلمويستعيد المكان.”
“ترك أعضاءه ومضى. بلا قدَم ولا يد ولا قلب ولا أحشاء. قال سأكون خفيفاً هكذا، وراح.الريح التي لعبت بشَعره ذات يوم تلعب الآن بفراغه.خفيفٌ حتّى الإنهاك من مشقَّة الخفَّة. تائهٌ حتّى الطفْح بكثرة تشعُّبات الفراغ.لا، ما هكذا، قال. ما هكذا يكون الضجر الشريفومَدَّ فراغاً منه إلى الوراء، كما كان يمدُّ يداً، لالتقاط شيءمَدَّ تجويفَ نظرةمَدَّ تخيُّلَ صوت.الوراء بعيدٌ جداً، الأمام بعيد جداً. لا عودة، لا وصول.لكنّه ليس ذاهباً إلى مكانولا يذكر أنّه ترك أعضاءً ولا يشعر أنّه خفيفلم يكن ضجراً من مكان ولا مكان له كي يتركه ولا مقصد كي يذهب إليهولم ينتبه إلى نظرة خرجت منه إلى ناحية أخرىولا خيالَ صوتٍ لهولا يقوى على مدّ فراغ.”
“الذين جرفتهم المياه إلى الواديارتفعوا غيومًا،لم يمطرواوقفوا فوقنظروا إلى الأرضوتبدَّدوا.”
“إنهم يتساقطون، الواحد تلو الآخر، المتشبثون بالإقامة. يتساقطون بأوطانهم التي صارت وهما. بانتماءاتهم التي صارت كذبا.”
“كان لا يخرج إلاَّ في الأيام المشمسة ليكون له رفيق:ظلُّه الذي يتبعه دائمًا.ينظر وراءه ليتحدَّث إليه، ليبتسم له.يلتفت بخفَّةٍ لئلا يغافله على دَرَج ويتسلَّل إلى بيتيخبره حكايات مشوِّقة لئلا يضجر منه هذاالظلّ ويهرب،في الصباح يُعِدُّ كوبين من الحليب، على الغداء يُعِدُّ صحنين،وكان يعود إلى بيته عند غياب الشمسيقعد على حجرويبكي حتى الصباح.”