“وأود هنا أن ألاحظ أن هايني يقول أن التاريخ الشخصي الحقيقي يعد أمراً مستحيلاً، وأن الانسان مجبول على الكذب حين يتحدث عن نفسه. وهو يعتقد بأن روسو قد كذب بصورة قاطعة في اعترافاته عن نفسه، بل انه كذب عامداً ، بدافع الغرور ليس إلا.”
“وإنني لمدرك الآن أنني كنت غير قانع بنفسي، وكانت هذه اللاقناعة تصل إلى حد الاشمئزاز بسبب غروري اللانهائي، والمستوى العالي الذي رسمته لنفسي، وهكذا صرت أشعر في صميمي بأن الآخرين كانوا يشعرون نحوي بمثل شعوري نحو نفسي. لقد كرهت وجهي مثلاً، وكنت أعتقد أنه يبعث على الاشمئزاز، بل كنت أظن أنه كان هنالك شيء من الضعة في ملامحي، ولهذا فكنت كلما صعدت إلى مقر عملي أحاول أن أتصرف بما يوحي باستقلالي الذاتي، وأن أضع على وجهي شيئاً من الترفع بقدر امكاني ، وكل هذا لكي لا أبدو تعسا حقيراً. وكنت أقول: قد يكون وجهي قبيحاً، فليكن رفيعاً معبراً إذن، وفوق ذلك ليبد دالاً على الذكاء الحاد. ولكنني كنت متأكداً إلى درجة شديدة تبعث على الألم من أنه كان مستحيلاً على ملامحي أن تعكس هذه الصفات، والأسوأ هو أنني كنت أعتقد بأنني كنت ألوح غبياً، ولهذا فقد كنت أطمح إلى أن ألوح ذكياً وحسب. بل كنت أرحب حتى بأن أبدو وضيعاً من أجل أن أبدو ذكياً فقط.”
“وقد تكون مخلصاَ، ولكنك لست متواضعاً، إذ أنك تهبط باخلاصك إلى الحضيض وتجعله عادياً بسبب غرورك التافه. أنت تريد أن تقول شيئاً بلا شك، ولكنك تخفي الكلمة الأخيرة خائفاً، لأنك لا تملك أن تقرر التلفظ بها، وإنما تستطيع فقط أن تكون مهيناً بكل حين. أنت تدعي بالادراك ولكنك لست واثقاً من أسسك وبالرغم من أن ذهنك يعمل، إلا أن قلبك مظلم فاسد، ولا تستطيع أن تملك إدراكاً كاملاً أصيلاً بدون أن يكون ل قلب نقي. ولكم أنت متطفل، ولكم تلوح عابساً، مصراً ! أكاذيب، أكاذيب، أكاذيب!رسائل من تحت الأرض”
“أن الانسان حين ينظر الى الحقيقة انما يركز نظره على جانب واحد منها ويبالغ فيه, من حيث يغض النظر عن الجوانب الاخرى, وهو اذا يفعل ذلك يعتقد جازماً بأن الحق كله معه.”
“إن الإنسان العاقل ما ينبغي أن يصف واقعاً فرض نفسه أو فرضه بعض الناس لسبب ما، بأنه قدر حتمي لا يتبدل، ثم يمضي و هو خاضع مستسلم يقول ليس في الإمكان أبدع مما كان. بل يجب أن نعلم أن هذا الواقع لم يفرض نفسه إلا بعد أن أزاح واقعاً سابقاً عليه كان قد فرض هو الآخر نفسه أحقاباً طويلة من الدهر.”
“التقدم ليس أن تنمو الأدوات و إنما ينمو الانسان .. ليس أن يسيطر الإنسان على الآخرين و إنما أن يسيطر على نفسه على غضبه ... ليس أن يمتلك الإنسان القوة بل أن يمتلك الرحمة .ليس أن يفرض الشرق مذهبه على الغرب ولا أن يفرض الغرب مذهبه على الشرق وإنما أن ترحب الصدور ليقول كل واحد كلمته ...”
“إن الشقاء في هذه الدنيا إنما يجره على الإنسان أن يعمل في دفع الأحزان عن نفسه بمقارفته الشهوات، وبإحساسه غرور القلب؛ وبهذا يبعد الأحزان عن نفسه ليجلبها على نفسه في صورةٍ أخرى.”