“يا للإنسان! أيذبح في ذاكرته ذكريات لا يقوى على احتمالها؟ كنت أحسب أن فاقدي الضمير تتحجّر قلوبهم، فلا يشعرون بتأنيبه. فإذا الأمر مختلف. وإذا الإنسان أعجز من أن يقتل ضميره، فيقتل الذاكرة!”
“حين كنا أطفالًا، كنا ا ننام حتى تروي لنا جدتي حكاية من حكاياتها. وكانت قد تجاوزت التسعين. وكان اختلط الأمر عليها. فتبدأ حكاية الشاطر حسن من وسطها: وأخذ الشاطر حسن عصاه السحرية وضرب بها المارد. - أية عصا سحرية يا جدتي؟ ..فلا تنتبه لصيحاتنا، وتستمر في حكايتها. وما من مرة ظللنا مستيقظين حتى نهاية الحكاية، وما من مرة نامت بعد أن تتم الحكاية. فما عرفنا لحكاية الشاطر حسن بداية، وما عرفنا لها نهاية.وحين كبرنا صرنا نتذكر جدتي، وحكايتها، التي أسميناها البتراء، فنغرق بالضحك. كأنما الأمر المعقول هو أن تكون للقصة بداية، وأن تكون لها نهاية.هل هذا هو الأمر المعقول حقا؟وحتى لو كان هذا هو الأمر المعقول؟ فهل هو المعقول في بلادنا؟!”
“لكن سؤلاً واحداً لم يجرؤ على توجيهه إلى أخته "الفيلسوفة"، خوفا من لطمة كفّ، فخنافة مع أُخته التي لا يحب أن يخانقها، أو خوفا من شيء آخر في ذاته:هل، حين ينسحبون، سأعود كما كنت..بدون ابن عم؟!.”
“هناك فرق كبير بين العمل السياسي والإبداع الأدبي؛ الفرق في الأساس هو أنه في السياسة لايمكن أن تعمل بما أسميه صدق الطفولة، أما في الأدب فلا يمكن أن يستحق العمل هذا الإسم إلا إذا التزمت بصدق الطفولة.”
“هذه هي النهاية، يا صاحبي. نهاية الذي لا يتلفّت حوله بل يتلفّت إلى داخله، فلا يرى سوى الظلال الغريبة، فينقلب على ظهره وينصب فكيّه للقتال. أيهما تقاتل: نفسك أم ظلالك؟”
“بعد أن أوغلنا في العمر، لا نميّز بين ماوقع لنا في شبابنا وما كنّا نحلم، آنذاك، بأن يقع لنا”
“ولو سئلت عن معنى هذه الكلمة،"الوطن"، لاختلط الأمر عليها كما اختطلت أحرف هذه الكلمة عليها حين التقتها في كتاب الصلاة: أهو البيت، إناء الغسيل وجُرّن الكبة الذي ورثته عن أُمّها ( لقد ضحكوا عليها حينما أرادت أن تحمل معها في سفرها إناء الغسيل العتيق هذا. وأما جُرن الكبة فلم تتجرأ على التفكير بحمله معها!} ، أو هو نداء بائعة الللبن، في الصباح، على لبنها، أو رنين جرس بائع الكاز، أو سعال الزوج المصدور، وليالي زفاف أولادها، الذين خرجوا من هذه العتبة إلى بيت الزوجية واحداً وراء الآخر وتركوها وحدها!”