“في مجال العلاقة بين الكلمات والمعاني، أو بين الشكل والمضمون، أو بين النحو والدلالة .. مجالٌ عميقٌ وواسع للاختلاف، وخصوصًا في اللغة العربية، ولعلَّ للثقافة الإسلامية دورٌ كبير في هذا الاختلاف، إذ يشبه الحديث عن اللفظ والمعنى حديثًا آخر عن الجسد والروح، فهما متداخلان، متشابكان، متعاونان متصارعان.والنظرة الفلسفية الدينية للموضوع تغلِّب دور الباطن، العمق، الروح، وهو المعنى في حالة الخطاب اللغوي، إذ كيف يعيش الجسد بغير روح؟ بل إن الأمور الروحية قد تقدِّم الجسد إلى ما يشبه هلاكه وفناءه، ولولا سطوة الروح على الجسد لما وُجِدت مفاهيم كالصوم مثلاً وهو حرمان مادي للجسد، والجهاد المحتمل للتضحية بالجسد وتقديمه إلى الموت، ولذا قُبل معنى "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" مع فساد لفظه.هذه النظرية تقول بكون الروح مديرًا ومدبِّرًا لأمر الجسد، أو بعبارة إنجيل يوحنا " اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا " [يوحنا 6/63 ] ، وعليه فكلُّ الأمور الظاهرة في السياق اللغوي هي خادمة مطيعة لأمر المعنى والمضمون. من جهة أخرى، وبالمفاهيم نفسها، نجد تأثير الجسد في الروح، فلكي تصل إلى السمو الروحي تحتاج إلى الصلاة، وهي حركة جسديَّة في الأصل، كما أن أصل الإسلام منوط بنطق الشهادتين في الظاهر، ولا يتعلَّق بأعمال القلوب، كذلك الزكاة ـ وهي فعل مادِّي ـ تؤثر في القلوب وتزكِّيها وتطهرها، كما أن الأفكار وخطرات النفس في المفهوم الديني لا عقاب عليها ما لم يتكلَّم المرء بها أو يعمل، وكأنَّ المعنى الكامن في الضمير لا وزن له ولا يجري عليه حكم، أمَّا كون الثواب على النية الحسنة فهو تفضُّل من الخالق جلَّ وعلا، وليس هو القاعدة المستمرَّة المطَّردة.ولعلَّنا لو نظرنا نظرة وسطى لما غمطنا حق اللفظ أو المعنى، ولوضعنا كلاًّ منهما في موضعه بما يستحقُّه، وبما لا يضرُّ بالطرف الآخر، فما دام أحدهما لا يوجد منفصلاً كان واجبًا رعاية حقِّهما معا.”
“و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عنالخشوع هو الآخر و في ذات الوقت بالركوع و السجود ..و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح والجسد ..الروح تخشع و اللسان يسبح و الجسد يركع .”
“إذ إن التوجه إلى الله في الإسلام لا ينحصر في الروح فقط، أو الجسد فقط. فالمسلم في صلاته وفي صومه وفي نحره للأضحية، وفي حجه، ليس حاضرا بروحه وعقله وقلبه فقط، وإنما بلحمه ودمه أيضا، فهو إما أن يكون هو كله حاضرا وإما ألا يكون حاضرا بالمرة، وهذا ناتج عن التوحيد كمبدأ جامع من منظور إسلامي”
“إن التوجيه الديني الذي تضطلع به القيادات الدينية ولا سيما أولئك الذين يتحركون كموظفين لدى هذه الجهة السياسية أو تلكلا يحاول أن يربط الناس بالعقلسواء في فهمهم للقضايا واتخاذهم للمواقفأو في تحديدهم لخط السير والحركةما نجده ـ في الغالب من الخطاب الديني والمذهبي ـانه يتحرك في السطح لا في العمقوالشكل لا المضمونوهذا ما يؤدي إلى أن تعتاد الجماهير على هذا النمطحتى يصبح منهجاً متّبعاً في كل شؤونهاوإذا كان هذا شأن الخطابين الديني والمذهبي،فإن غالب الخطاب السياسي ـ في عالمنا ـ لا يتحرك بعيدا عن السطحية والشكلية والاستخفاف بعقول الناسحتى أدمن الناس هذا الخطابفرجموا الذين يتحركون في العمق، ويخاطبون عقول الناس لا غرائزهمباللاواقعية، أو بالخيانة، أو ما إلى ذلكوأخطر ما في الأمرأن بعض الجهات التي تبوّأت مواقع التوجيه الديني أو السياسيوالتي لا تملك كفاءتهاتعمل على استغلال إخلاص الجماهير للعناوين والقضايا الكبرىلإبقائها ـ أي الجماهير ـ في السطحوذلك لأن الجماهير إذا تحرّكت في العمق، واكتشفت مواقع الخلل لدى هذه الجهاتسحبت اعترافها بشرعيّتها وقداستها”
“لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنا حيا دب على وجه الأرض في صورة -بشر!.. كذلك لا وجود لشخص في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارةوإخلاص...إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ،عملية - في بعض الأحيان- مستحيلة، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!. كلفكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان! أما الأفكار التى لم تطعم هذا الغذاء المقدس فقدولدت ميتة ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام !.”
“إن الله خلق القلوب قبل الأجساد بسبعة آلاف عام, وحفظها في مقام قربه. وخلق الأرواح قبل القلوب بسبعة ألاف عام, وحفظها في جنة الأنس به. وخلق الألباب قبل الأرواح بسبعة آلاف عام, وحفظها في مقام الوصل به. ثم حبس اللب في الروح, والروح في القلب, والقلب في الجسد. ثم اختبرها وأرسل الرسل, فبدأ كل منها في البحث عن مقامه الخاص. فانشغل الجسد بالصلاة, ووصل القلب إلى الحب, وبلغت الروح القرب من الرب. ووجد اللب استقراره في الوصل بالله.”