“إنّه الموت.. في فصاحته الظالمة " في تاريخ المجازر يتكلّم الموت أوّلاً ، ثم يتكلّم القتيل ، ثم يتكلّم القاتل "علينا أن نتتظر طويلاً قبل أن يتكلّم القتلة ، الذين يواصلون التباهي بإنجازاتهم الدمويّة في سوريا . سارقين الأضواء في كلّ نشرة إخباريّة ، بفظاعة ابتكاراتهم الوحشيّة .القتلة لا وجوه ولا لسان لهم ، الموت يتكلّم عنهم ، لهم صوت الرصاص والمدافع والسكاكين . أماّ القتيل فهو ومضة صورة ، تأخذ معها أثناء عبورها شاشتنا حيوات عدّة ، لأناس كانوا آمنين ، وما توّقّعوا أن يعبروا يوماً نشرات الأخبار جثثا ملقاة في الشوارع ، أو أشلاء محمّلة في شاحنات للبضائع .الموت في فصاحته الظالمة ، لا يشرح ، لا يدقق ، لا يعتذر . لاوقت له ، دوما ثمّة وجبة بشريّة في انتظاره .تتقدّم دبّابة فوق جثة سبق لقناّص أن قتل صاحبها لقتل الوقت ، فتُحوّلها من كائن بشريً إلى مواد أوّليّة ، وتواصل طريقها . وتهدّ المدافع البيوت على ساكنيها غير آبهة بوداعة زمن إنسانيّ غدَى في لحظةٍ خراباً ، وينطلق الرصاص ليجهز على رجال يصطفّون مكبّلين ويتركهم أرضاً في انتظار من يجازف بدفنهم . ثمّ يأتي دور الأطفال المذهولين من أمرهم ، فيكون من نصيبهم الذبح بالسكاكين ، قبل أن يستوعبوا ما يحدث لهم .نحن في القرن الواحد والعشرين ، و في كوكبنا ، على مقربة منّا ، ثمّة بلدان يُسجن فيها من يسيء معاملة حيوان أيّاً كانت فصيلته . لكن ، نوبات الجنون الدمويّ ، التي مارس مذابحها القتلة باختلاف هوياتهم في العالم العربي بالتناوب ، مرورا بعشرية الدم في الجزائر ، وما عرفه لبنان من فضائع في السبعينات ، ومن بعده العراق ، واليوم سوريا ، تجعلنا نفضّل على الجنس البشريّ معاشرة الحيونات الضاريّة . فقد كان برنارد شو صادقاً في قوله :" الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يثير رعبي ".كيف استطاعوا فعل ذلك ؟ مجرّد تصوّري رجلاً راشداً يهجم على عنق طريّة لطفل ، فيقطعها بجرّة من سكين ، على مرآى من أطفال وأمهات ينتظرون الذبح متظرّعين منتحبين ، يفسد علاقتي بالجنس البشري .لكن الذين فعلوا ذلك عادوا إلى بيوتهم مبتهجين غانمين ، كما يعود الصيّادون محمّلين بجثث العصافير معلّقة إلى حبل صيدهم . أليس لهم أولاداً ؟ أليس لهم إخوة ؟ أليس لهم حبيبات ؟ أتدري أمّهاتهم ماذا يفعلون بين اللحظة التي يغادرون فيها البيت . . ولحظة عودتهم للجلوس أمام مائدة العشاء ومشاهدة التلفزيون ؟ليس سؤالي عن " سجلّهم العدليّ" . . أتساءل فقط هل لهؤلاء " سجل عائليّ " ؟!”

أحلام مستغانمي

Explore This Quote Further

Quote by أحلام مستغانمي: “إنّه الموت.. في فصاحته الظالمة " في تاريخ المجازر… - Image 1

Similar quotes

“لا حول ولا قوّة إلاّ بالله . . عاد رمضان ، وعادت على مائدة إفطارنا الأطباق إياها التي أفطرنا عليها على مدى عقود . هذا العام أيضاً ، لا أمل أن نشق الفطر من دون أن نغصّ بدمعنا . المآسي حجزت لها مكانا على مائدتنا ، فالمسلسل الرمضاني الوحيد الذي لا يبثّ حصريّاً على قناة بالذات ، بل سنتابعه مكرهين على كلّ الفضائيات ، هو مسلسل " الموت في سوريا " . وهو عمل درامي بالمفهوم الحقيقي للكلمة ، لا نعرف له مُخرجاً أو منتجا ً، برغم ذلك لا يحتاج إلى حملة إعلانيّة ، ولا إلى أخبار ترويجيّة ، أو إلى استضافة لنجومه ، فهو الخبرالأول في كلّ نشرة . نجمه الوحيد " الموت " ، يذهلنا يوماً بعد آخر في أدواره الدمويّة ، يبتدع فظاعات ما شاهدناها من قبل ليبكينا ، يحتاج في أيامه العاديّة إلى مئة إنسان كوجبة يوميّة ، كي يفوز بأوسكار الموت العربي دون منازع .لذا لم يُبقي على أي ممثل حيّاً . ذاهباً حدّ" التمثيل" بجثث من أرادوا أن يسرقوا منه دور " البطولة " . أمّا طموحه الدرامي ، فقتل المشاهدين أيضاً قهراً وأسى ، وجعلهم يخجلون من بقائهم على قيد العروبة . . وعلى قيد الحياء .”


“الأثرياء على عجلة من أمرهم . هم لا يملكون طول النفس . يعنيهم الحصول على ما يريدون فوراً . في الإنتظار إهانة لهم .”


“مذ مذبحة الحولة ما عدت كاتبة، أنا أمٌّ تنتحب. تلك الطفولة النائمة في لحاف دمها عرّتني من أي مجد أدبي، أصغر طفل مُسجّى في شاحنات الموت هو أكبر من أيّ كلمات قد يخطها قلمي. اسمحوا لي أن أصمت بعض الوقت. لا حبر يتطاول على الدمّهؤلاء الصغار الذين ذهبوا في براءة ثياب طفولتهم، يواصلون نومهم في أكفان أصغر من أقدارهم، خضّبوا بدمهم دفاتري، شلوا برحيلهم.. يدي. بعدهم أصبحت أخجل أن أكون مازلت على قيد إنسانيتي، أتقاسم الحياة في هذا العالم مع قتلة، يحملون أوراقاً ثبوتيّة تدّعي انتسابهم لفصيلة البشر. يوماً، إذا تجاوز دمعي ذهوله، سأكتب، رحم الله شهداء سوريا الحبيبة الصغار منهم والكبار، وعوّضهم في الآخرة بحياة أجمل من التي سُرقت منهم في هذا العالم الذي أمسى حقيراً".”


“ليس ثمة موتى غير اولئك الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة. اذن يمكننا بالنسيان, ان نشيّع موت من شئنا من الأحياء, فنستيقظ ذات صباح ونقرر انهم ما عادوا هنا. بامكاننا أن نلفّق لهم ميتة في كتاب, ان نخترع لهم وفاة داهمة بسكتة قلمية مباغتة كحادث سير, مفجعة كحادثة غريق, ولا يعنينا ذكراهم لنبكيها, كما نبكي الموتى. نحتاج أن نتخلّص من أشيائهم, من هداياهم, من رسائلهم, من تشابك ذاكرتنا بهم. نحتاج على وجه السرعة ان نلبس حدادهم بعض الوقت, ثم ننسى.”


“لسنوات, يظل العشاق حائرين في أسباب الفراق. يتساءلون: من ترى دس لهم السم في الحب, لحظة سعادتهم القصوى ؟ لاأحد يشتبه في الحب, أو يتوقع نواياه الإجرامية. ذلك أن الحب سلطان فوق الشبهات, لولا أنه يغار من عشاقه, لذا يظل العشاق في خطر, كلما زايدوا على الحب حبا.”


“لو تدري لذة أن تمشي في شارع مرفوع الرأس ، أن تقابل أيّ شخص بسيط أو هام جداً، دون أن تشعر بالخجل.هناك من لا يستطيع اليوم أن يمشي خطوتين على قدميه في الشارع ، بعدما كانت كلّ الشوارع محجوزة له . وكان يعبرها في موكب من السيارات الرسمية”