“الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقتل أخاه الإنسان لا دفاعاً عن النفس ولا بحثاً عن لقمة عيش نادرة, بل حباً في القتل ذاته أو في سبيل صراع مميت حول شيء من مال أو سلطة. وهل تعلمون أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يصنف أبناء جنسه وإخوته في الإنسانية إلى أحمر وأصفر وأبيض وأسود, وشرقي وغربي, وبين هؤلاء وهؤلاء أصناف وأصناف يقوم بينهاالقتال ويسود علاقاتها العنف وتسيل الدماءوحتى إذا ما بحثنا عن جذر المشكلة ولب الإشكال وجدنا أن العلة تكمن في الذات, وأنالصراع ليس إلا حول كلمة أو لفظة أو كره غُذي به الإنسان مذ كان طفلاً بريئاً لا يدرك ولا يعي ...”
“كما أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي له تاريخ وبالتالي وعي وحضارة, فأن ضريبة كل ذلك أن الإنسان هو أيضاً الكائن الوحيد القادر على إعطاء التاريخ صورة مخالفة للصورة التي انوجد عليها التاريخ في واقع الحال, وذلك مثل إعطاء أحداث معيّنة أو أشخاص معينين صورة فيها الكثير من الاختزال والتضخيم, وذلك حسب الغرض المراد, وبهدف التركيز على نقطة هنا أو التقليل من شأن نقطة هناك, أو بث عاطفة في حادثة هنا وقتل الحياة في حادثة هناك ..”
“أن يجرب الإنسان فيفشل مرة وينجح مرة أخرى, شيء طبيعي ولا خلاف حول جدواه, ولكن أن يندثر الملايين من البشر في الأقبية والسجون والمنفى والسخرة في سبيل تجربة مهما كانت مهمة فأن ذلك شيء لا أستطيع قبوله مهما حاول العقل والمنطق أن يثبتاه لي. ملايين من أصحاب المشاعر والآمال والأحلام يطويهم العدم في سبيل تجربة أُعلنَ في النهاية تركها و"الإقلاع" عنها, شيء في -حقيقة الأمر- لا أستطيع هضمه مهما حاولت.”
“حين تضيق بي الأرض وما حوت, وأصل إلى الدرك الأسفل من الاكتئاب وألم النفس والملل من كل شيء, بل عندما أصل إلى مرحلة متدنية من اليأس والشعور بالخواء واللاجدوى وعبثية الأشياء, أقول: عندما أصل إلى هذه اللحظةالتي تبدو في لحظتها سرمدية أبدية, ألجأ إلى الهروب؛ الهروب من كل شيء: من الناس والأشياء, بل من ذاتي ذاتها, ويكون هروبي هذا عن طريق اللجوء إلى التاريخ: أُغرق نفسي بالتاريخ, أقرأه وأجتره وأتمثله فيخف من نفسي ما بها ويبدأ إحساس لطيف لذيذ يسري إلى دهاليز الذات وسراديب النفس موحياً بشيء من السعادة وبعض من الحبور. ألجأ إلى التاريخ فتتضاءل فرديتي أمام زخمه,وتتقزم ذاتي أمام جماعاته, وتندثر نفسي أمام قوانينه, ويتحول عمر الإنسان, كل إنسان, إلى مجرد لحظة عابرة ونقطة ضائعة في لجة من ماء لا أول لها ولا آخر.تمر السنون وتهرول القرون ويندثر أقوام وينشأ آخرون وتجف بحار وتندثر أنهار وتسقط دول وتقوم أخرى لا تلبث أن تسقط بدورها. ويتعانق العبث والمعنى ويتساوى الفرد والجماعة ويتلاحق الإنسان والحيوان, والتاريخ مراقب مشاهد ليس له همّ إلاَّ أن يسير في طريقه غير عابئ بهذا أو ذاك: لا يوقفه صراخ الصارخين ولا عويل الباكين ولا أصحاب التفاؤل أو أرباب التشاؤم.إنه, للحظات, يتبدى وحشاً خرافياً عديم الحس والإحساس لا قيمة لأي شيء في جوفه الرحب برغم أن القيمة, كل القيمة, تكمن في أحشائه ومغاور جوفه.”
“برغم سنوات العبر المديدة التي يقدمهاالتاريخ فإن الإنسان لا يعتبر ولا يتعلم لأنه لا يريد أن يعتبر أو يتعلم, أو أن كبرياء ذاته البهيمية وغطرسة النفس الوحشية تمنعانه من التعليم والاعتبار. ويبقى التاريخ شاهداً على كل ذلك سائراً في طريقه لا يلوي على شيء هازئاً بكل شيء, إذ إن من لا يتعلم من التاريخ شيئاً لا يأبه به التاريخبل يسحق هامته سحقاً ويلقيه بلا اكتراث على مزبلته مثل جرذ ميت رفضت أكله القطط وانزكمت برائحته الأنوف ...”
“الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يرتفع على ذاته أو يهوى دونها، على عكس الملائكة والحيوانات، فالملائكة لا تملك إلا أن تكون ملائكة والحيوانات هي الأخرى لا تملكإلا أن تكون حيوانات، أما الإنسان فقادر أن يرتفع إلى النجوم أو أن يغوص في الوحل”
“الإنسان كائن عجيب، فهو يحوي الكون في أعماقه والخلود في آماله والفناء في آلامه، بل إنه عالم بذاته وكون بطبعه، ولكن كل ذلك تذروه رياح التاريخ في النهاية فلايبقى جسم ولا رسم ولا اسم، اللهم إلا خطوط عامة تقول إنّ إنسانا كان هنا”