“كان من متاعب السعوديين في مناطق شرق الجزيرة العربية، انتشار المذهب الشيعي بين السكان ووجود تقليد استقلالي قوي.”
“حاول الوهابيون الاوائل إلغاء الخصوصية المذهبية لسكان مناطق شرق الجزيرة العربية، ومنذ البداية لم يكن الوهابيون مقتنعين بأنه يمكن تغيير الخارطة المذهبية، لان الشيعة كانوا الاصعب دوماً، وعلى مر التاريخ، وثانياً لان الشيعة كانوا أشد المقاومين للإحتلال الوهابي-السعودي، وكما رأينا خلال استعراض الاحداث التي سبقت سقوط مناطق شرق الجزيرة العربية تحت قبضة الوهابيين. لهذا لم تكن للحكام الجدد واعوانهم القناعة ولا الاستعداد لتغيير آراء الناس بالاقتناع والارضاء والنقاش، وقد كان هذا دأبهم مع غير الشيعة أيضاً الذين عادةً ما يسارعون الى الرضوخ سياسياً ومذهبياً للمنتصر، ولكن لم يحدث هذا لشيعة شرق الجزيرة العربية وإن كانوا قد خضعوا الحين للمنتصر سياسياً فحسب. ”
“جرى أيضاً إحراقٌ للمكتبات الشيعية، وآلاف المخطوطات، بإعتبارها كتب ضلال وكفر وزندقة.. وللحق لم تكن كتب شيعة شرق الجزيرة العربية وحدها التي تعرضت لعقاب المنتصر، وقد رأينا هذا في الحجاز قد تكرر أكثر من مرة، وهناك كتب بعينها سلط الوهابيون غضبهم ضدها.. غير أن إهانة الكتب الشيعية وحرق تراث الشيعة الفكري والادبي الذي كان في قمة العطاء، قد جاء بعشوائية وتخبط وعدم تمييز بين ما يتعارض مع رؤى المذهب المنتصر وما يوافقه. وقد كان لذلك الفعل أثر كبير في ضياع أهم تراث الشيعة في المنطقة، وهو أمر عانا منه الشيعة حتى الوقت الحالي، يزيد في ذلك الامر سوءاً أن الحكومة السعودية وبأوامر من رجال المذهب الوهابي صادرت لعديد من مكتبات التراث الشيعي الباقية في السنوات العشر الماضية، ولا يعلم حتى الان ما فعلت بها، وهي تحوي كنوزاً حقيقيةً في شتى حقول المعرفة. ”
“منذ عام ١٢٠٠هـ وحتى ١٢٠٨هـ، اتخذت غارات الوهابيين على المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية طابعاً شرساً، ويبدو ان الغرض كان إثارة السكان المحليين وإثبات عدم قدرة الوالد، الحكم الخالدي، على حمايتهم، وقد كانت الغارات سريعة وخاطفة ومفاجئة.”
“لقد كان إحتلال الأحساء والقطيف في العهود السعودية جميعهاذا هدف إقتصادي، وفي الدولة السعودية الاولى كان ما يجبى من الأحساء والقطيف من زكوات يفوق جميع مناطق المملكة العربية التي خضعت لحكم الوهابيين. أشار إلى ذلك إبن بشر في معرض تقديراته للزكوات المجبية، وكذلك مؤلف كتاب لمع الشهاب الذين قال: إن الزكاة المجيبة من مناطق الشيعة "الاحساء والقطيف" بلغت ستمائة ألف ريال، في حين لم تزد زكوات بادية نجد عن 400 ألف ريال، والحجاز 200 ألف ريال، و رأس الخيمة وعمان 270 ألف ريال.. وهناك محاصين الأملاك في الاحساء ونجد الحاضرة 300 ألف ريال. وغير المصادرات والزكوات، وضع الحكام السعوديون يومها نظاماً يقضي بموجبه أن يدفع المواطنون الشيعة تحت مسمى "الرقيبة، أو الروسية، أو الجهادية" وتعطى معنى واحداً هو "الجزية" بإعتبار الشيعة غير مسلمين. ولكن الأمراء السعوديين كانوا حريصين على عدم تسميتها بالجزية، وإنما ضريبة الخددمة العسكرية.. لم يكن الوهابيون يردون من الشيعة كفرة بحيث لا يدفعون الزكاة، وقد كان هذا النظام معمولاً به حتى نهاية العشرينات الميلادية من القرن الحالي.”
“قبل أن يدخل الاسلام إلى منطقة إقليم البحرين، القطيف والاحساء البحرين، وبحكم غناها وثروتها وإتصالاتها بالأقوام المختلفة لأجل التجارة.. سكن فيها عدد من العناصر الغير عربية كالزط المجهولي النسب، والبنط، والسيابجة، وعدد محدود من الفرس الذين كانوا يحكمون المنطقة في جاهليتها.. إلا أن الغالبية العظمى كانت من عبدالقيس العرب. وحينما ظهر الاسلام إعتنقه أهلها سلماً، فكانت المنطقة ثاني منطقة تدخل الاسلام بعد المدينة المنورة. وتدفقت على المنطقة بعد ظهور الاسلام قبائل إمتزجت بالسكان .. فسكنتها بطون من بني عامر، وبني كلاب وغيرهم.. وفي الوقت نفسه هاجرت أعداد كبيرة من عبدالقيس الى العراق في العقد الثاني الهجري في خلافة عمر ابن الخطاب، خاصة الى البصرة والكوفة اللتين إبتنيتا حديثاً.. ولعل هذا ما يفسر الوجود الشيعي المكثف فيهما الذي بدا واضحاً في أواخر خلافة عثمان بن عفان. إن كثيراً من أُسر الشيعة المتحضرة -وهي كلها متحضرة- ترجع في أصولها الى هذه القبائل العربية، وإن كل المتحضرين في كل بلاد الدنيا لا يهتمون بالانساب والاعتزاز بها.. وإن العديد من سكان الاحساء والقطيف يعرفون أصولهم العرقية، رغم أنهم لا يستطيعون إثبات هذا الانتماء بذكر اتصاله بفرع معروف من فروع القبائل المذكورة، ويعتبر الباحثون أن هذا الامر طبيعيٌ جداً، وهي إحدى صفات التحضر والاستقرار(1).وبعكس هذا نجد البدو يعتزون بأنسابهم ويعرفون أصولهم، وكل بادية الاحساء والقطيف تتلقف الكثير منهم، وهم في أغلبهم سُنَّة يفدون من وسط وغرب وجنوب الجزيرة العربية، في حين كان السكان الحضر على الدوام شيعة. وكان البدو يفدون إلى المناطق الشرقية من الجزيرة العربية طمعاً في مراعيها المعشبة، وقرباً من مصادر الثراء والغنى والمياه والزراعة التي يقوم عليها الحضر.. وكان الخلاف بين البدو والحضر أمراً مألوفاً في كل الانحاء، ومن بينها الأحساء والقطيف، ولم يكن ذلك يعود لأسباب مذهبية، فالبدو -كما قال الباحثون- هم من أبعد الناس عن روابط الدين فضلاً عن المذهب، ولكن لأسباب إجتماعية وإقتصادية، وعادات تأصَّلت في البدو.تجدر الإشارة إلى أن كل قبيلة متى ضعفت، وزاحمتها قبيلة أخرى أقوى منها، فإنها تعمد كلها أو بعض فروعها إلى ثلاثة أمور: إما الإنضواء تحت سيطرة الأقوى، أو الهجرة إلى بلاد أخرى، أو الإستقرار في المدن والتحضر، فتترك البداوة، ويزول الإسم إلى من بعض الأفرع الضعيفة التي تنتسب إليها(2). ولذا فإن الكثير من الأسر الشيعية تنتمي إلى قبائل ضعفت أو هزمت في حروب سابقة، ونخص بالذكر قبيلة بني خالد التي ينتمي أعداد غير قليلة من الشيعة إليها.. وكان بنو خالد ق”
“يقول المستشرق السوفياتي إليسكي فاسيلييك في كتابه صفحة ١٤٧،: لم يكن سكان المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية متعاطفين كثيراً مع الرياض والوهابيين. إلا أن أهمية هذه المنطقة كبيرة لدرجة جعلت أمير الرياض -تركي بن فيصل- يرى ضرورة الاحتفاظ بها بحاميات دائمية هناك. ”