“الحبّ أن يخيم جوّ موسيقيّ على بعض أيام العمر ليتم فيه الانسجام بين نفسٍ عاشقةٍ وصورة جميلة ، إذ لا بد لانسجام الجمال في الحبّ من أن يكون المعشوق عند محبّه في مثل تناسق اللحن الفنيّ لا يخرج منه شيء عن الوزن والطرب ، فإذا كان العمر صفحاتٍ مكتوبةً فأيام الحب الصفحة المكتوبة بعلامات النغم ، لا يقرأ فيها إلا لحنٌ ورنٌّ ورجعٌ وصلصل .”
“الحب لفظ وهمي موضوع على أضداد مختلفة: على بركان وروضة، وعلى سماء وأرض، وعلى بكاء وضحك، وعلى هموم كثيرة كلها هموم، وعلى أفراح قليلة ليست كلها أفراحًا؛ وهو خداع من النفس يضع كل ذكائه في المحبوب, ويجعل كل بلاهته في المحب، فلا يكون المحبوب عند محبه إلا شخصًا خياليًّا ذا صفة واحدة هي الكمال المطلق، فكأنه فوق البشرية في وجود تام الجمال ولا عيب فيه، والناس من بعده موجودون في العيوب والمحاسن.وذلك وهم لا تقوم عليه الحياة ولا تصلح به، فإنما تقوم الحياة على الروح العملية التي تضع في كل شيء معناه الصحيح الثابت؛ فالحب على هذا شيء غير الزواج، وبينهما مثل ما بين الاضطراب والنظام؛ ويجب أن يفهم هذا الحب على النحو الذي يجعله حبًّا لا غيره، فقد يكون أقوى حب بين اثنين إذا تحابَّا هو أسخف زواج بينهما إذا تزوجا.”
“فإن كل لذة الحب، وإن أروع ما في سحره، أنه لا يدعنا نحيا فيما حولنا من العالم، بل في شخص جميل ليس فيه إلا معاني أنفسنا الجميلة وحدها، ومن ثم يصلنا العشق من جمال الحبيب بجمال الكون، وينشئ لنا في هذا العمر الإنساني المحدود ساعات إلهية خالدة، تشعر المحب أن في نفسه القوة المالئة هذا الكون على سعته”
“حين يفسد الناس لا يكون الاعتبار فيهم إلا بالمال، إذ تنزل قيمتهم الإنسانية ويبقى المال وحده هو الصالح الذي لا تتغير قيمته. فإذا صلحوا كان الاعتبار فيهم بأخلاقهم ونفوسهم، إذ تنحط قيمة المال في الاعتبار، فلا يغلب على الأخلاق ولا يسخرها.”
“إن الحبيبة على أنها سرور محبها وليس له عنها مذهب إلى متاع أو لذة في كل ما وسعت الدنيا.. فإن سرورها هي بالمحب لا يهنئها إلا أن تراه بها معذباً ولها صبّاً وفيها مـُدْلهاً, وقد احرقه الوجد وأضناه التي التيم وأهلكه حزن الهوى.. إذ لا تكون عند نفسها معذبته إلا من أنها حبيبته, ولا تُثبت لنفسها القدرة عليه إلا بمحق المقاومة فيه, ولا تتم كبرياء أنوثتها إلا بتمام الدلال عليه, ولا يتأله فيها الجمال يعذّب ويُثيب إلا بتحقيق العبودية فيه”
“لهذا يمنع الدين خلوة الرجل بالمرأة، ويحرم إظهار الفتنة من الجنس للجنس، ويفصل بمعاني الحجاب بين السالب والموجب، ثم يضع لأعين المؤمنين والمؤمنات حجابًا آخر من الأمر بغضّ البصر، إذ لا يكفي حجاب واحد، فإن الطبيعة الجنسية تنظر بالداخل والخارج معًا؛ ثم يطرد عن المرأة كلمة الحب إلا أن تكون من زوجها، وعن الرجل إلا أن تكون من زوجته؛ إذ هي كلمة حيلة في الطبيعة أكثر مما هي كلمة صدق في الاجتماع، ولا يؤكد في الدين صدقها الاجتماعي إلا العَقْد والشهود لربط الحقوق بها، وجعلها في حياطة القوة الاجتماعية التشريعية، وإقرارها في موضعها من النظام الإنساني؛ فليس ما يمنع أن يكون العاشق من معاني الزوج، إما أن يكون من معنى آخر أو يكون بلا معنى فلا؛ وكل ذلك لصيانة المرأة، ما دامت هي وحدها التي تلد، وما دامت لا تلد للبيع.”
“أليس عجيباً أن كل إنسان يرى في الأرض بعض الأمكنة كأنها أمكنة للروح خاصة ؟ فهل يدل هذا على شيء إلا أن خيال الجنة منذ آدم و حواء , لا يزال يعمل في النفس الإنسانية ؟”