“وأضحك وأبكى .. فأنشأ للإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء.وجعله -وفق أسرار معقدة فيه- يضحك لهذا ويبكي لهذا.وقد يضحك عداً مما أبكاه اليوم. ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس.في غير جنون ولا ذهول إنما هي الحالات النفسية المتقلبةوالموازين والدواعي ولإعتبارات التي لا تثبت في شعوره على حال!وأضحك وأبكى .. فجعل في اللحظة الواحدة ضاحكين وباكينكل حسب المؤثرات الواقعة عليه.وقد يضحك فريق مما يبكي منه فريق. لأن وقعه على هؤلاء غير وقعه على أولئك .. وهو هو في ذاته. ولكنه بملابساته بعيد من بعيد!وأضحك وأبكى. من الأمر الواحد صاحبه نفسه.يضحك اليوم من الأمر ثم تواجهه عاقبته غداً أو جرائره فإذا هو باك يتمنى أن لم يكن فعل وأن لم يكن ضحكوكم من ضاحك في الدنيا باكٍ في الآخرة حيث لا ينفع بكاء!”
“أما المجتمع المسيحي - إذا صح هذا التعبير - فالمسيحية لا تحكمه، والنظم فيه لا تعتمد على العقيدة، إنما تعتمد أساسا على القوانين الوضعية، حيث تقف العقيدة في عزلة عن المجتمع، تحاول أن تعمل في ضمير الفرد وحده، وبديهي أن قوة النظام الاجتماعي لا تمهل الفرد ليستمع إلى صوت الضمير ما لم يكن هذا النظام ذاته قائما على العقيدة التي تعمر الضمير.”
“هذا هو قانون العمل و الجزاء.. لا جحود و لا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان.. و هو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء و لا يغيب.و لا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده. و لا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته، بل لتثبت للإيمان حقيقته.إن الإيمان هو قاعدة الحياة، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان و هذا الوجود، و الرابطة التي تشد الوجود بما فيه و من فيه إلى خالقه الواحد، و ترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، و لا بد من القاعدة ليقوم البناء. و العمل الصالح هو هذا البناء. فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته.و العمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده و حيويته في الضمير. و الإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر.. و الثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق.و من ثم يقرن القرآن دائماً بين الإيمان و العمل الصالح كلما ذكر العمل و الجزاء. فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل و لا يثمر. و لا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان.”
“إن الشر ليس عميقًا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانًا. إنه في تلك القشرة الصلبة، التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء، فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية، هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، و على أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك، وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون.”
“و الخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط ( و قد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن) هش الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور، و ترك النساء. و هو انحراف في الفطرة شنيع. فقد برأ الله الذكر و الأنثى؛ و فطر كلاً منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته و مشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل، الذي يتم باجتماع الذكر و الأنثى. فكان هذا الميل طرفاً من الناموس الكوني العام، الذي يجعل كل من في الكون و كل ما في الكون في حالة تناسق و تعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود. فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف، و لا يحقق غاية، و لا يتمشى مع فطرة هذا الكون و قانونه. و عجيب أن يجد فيه أحد لذة. و اللذة التي يجدها الذكر و الأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة. فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط. و من ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا، لخروجهم من ركب الحياة، و من موكب الفطرة، و لتعريهم من حكمة وجودهم، و هي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج و التوالد.”
“إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية،وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس !.”
“إن الذين يريدون لنا أن نذوب في حركة قومية أو في كتلة دولية أو في اتجاه عالمي - على فرض أن هناك اتجاها عالميا - إنما يرتكبون جريمتهم في حق البشرية كلها قبل أن يرتكبوها في حق الإسلام أو الوطن الإسلامي. إن مهمتنا أن نتميز وأن نحمل الشعلة للضالين في شعاب الأرض وفي متاهات الصحراء. إن مهمتنا أن ننقذ البشرية من الحمأة الآسنة التي تتمرغ فيها اليوم، لا أن نذوب معها في تلك الحمأة الآسنة. والله معنا، والبشرية كلها ستعرف يوما أن نبوءة الله حق: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس.”