“إن الهدف الظاهر من قيام شريعة الله في الأرض ليس مجرد العمل للآخرة، فالدنيا والآخرة معا مرحلتان متكاملتان، وشريعة الله هي التي تنسق بين المرحلتين في حياة هذا الإنسان، تنسق الحياة كلها مع الناموس الإلهي العام. والتناسق مع الناموس لا يؤجل سعادة الناس إلى الآخرة، بل يجعلها واقعة ومتحققة في المرحلة الأولى كذلك، ثم تتم تمامها وتبلغ كمالها في الدار الآخرة.”
“لقد لمست هذه المفاجأة الضخمة قلب سليمان - عليه السلام - و راعه أن يحقق الله له مطالبه على هذا النحو المعجز؛ واستشعر أن النعمة - على هذا النحو - ابتلاء ضخم مخيف ؛ يحتاج إلى يقظة منه ليجتازه، و يحتاج إلى عون من الله ليتقوى عليه؛ و يحتاج إلى معرفة النعمة و الشعور بفضل المنعم، ليعرف الله منه هذا الشعور فيتولاه. و الله غني عن شكر الشاكرين، و من شكر فإنما يشكر لنفسه، فينال من الله زيادة النعمة، و حسن المعونة على اجتياز الابتلاء. و من كفر فإن الله ((غني)) عن الشكر ((كريم)) يعطي عن كرم لا عن ارتقاب للشكر على العطاء.”
“ليس عبدا لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله، عن الطريق الذي بلغنا الله به ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) وقال : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)”
“ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون"فتبييتهم الغدر والخيانة لن يمنحهم فرصة السبق ، لأن الله لن يترك المسلمين وحدهم، ولن يفلت الخائنين لخيانتهم . والذين كفروا أضعف من أن يعجزوا الله حين يطلبهم، وأضعف من أن يعجزوا المسلمين والله ناصرهم .فليطمئن أصحاب الوسائل النظيفة - متى أخلصوا النية فيها لله - من أن يسبقهم أصحاب الوسائل الخسيسة . فإنما هم منصورون بالله الذي يحققونسنته في الأرض ، ويعلون كلمته في الناس ، وينطلقون باسمه . يجاهدون ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بلا شريك .”
“هذا هو قانون العمل و الجزاء.. لا جحود و لا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان.. و هو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء و لا يغيب.و لا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده. و لا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته، بل لتثبت للإيمان حقيقته.إن الإيمان هو قاعدة الحياة، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان و هذا الوجود، و الرابطة التي تشد الوجود بما فيه و من فيه إلى خالقه الواحد، و ترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، و لا بد من القاعدة ليقوم البناء. و العمل الصالح هو هذا البناء. فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته.و العمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده و حيويته في الضمير. و الإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر.. و الثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق.و من ثم يقرن القرآن دائماً بين الإيمان و العمل الصالح كلما ذكر العمل و الجزاء. فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل و لا يثمر. و لا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان.”
“ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، فلا يقفن أحد في وسط الطريق , وقد مضى في الجهاد شوطا ; يطلب من الله ثمن جهاده ; ويمن عليه وعلى دعوته , ويستبطئ المكافأة على ما ناله ! فإن الله لا يناله من جهاده شيء . وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين). وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده , وأن يستخلفه في الأرض به , وأن يأجره في الآخرة بثوابه.”