“تكون الفرد المسلم تكوناً صحيحاً منذ ابتداء الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة، ثم كان تلاقي الأفراد عند الهجرة على ما يؤلف بينهم من العوامل المتقاربة، فبرز المجتمع الإسلامي .. ولم يكن لهذا المجتمع أول تألفه، ثقافة ولا حضارة، ثم إن الدين بأوضاعه الذهنية والخارجية، هو الذي فتح له باب الاتصال بالمعارف ليتلقاها، ويؤلف بينها، ويجدد وضعها، فتمهدت له بذلك السبيل إلى ثقافته، حتى أبرز من روائعها الخالدات، فلولا التكون الفردي المكي، والتكون الاجتماعي المدني، لما كانت آثار الحضارة التي تبدت في دمشق، أو بغداد، أو القيروان، أو قرطبة، أو سمرقند.”
“إن من أبرز أساليب الإعداد للحرب الأهلية إقناع كل طرف أن الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، خطر على الوطن أو الدين أو المجتمع.”
“لو كان في مدينة القدس، وقت الفتح الإسلامي، معابد أو هياكل أو آثار يهودية، لما كان هناك ما يدعو جنرالات إسرائيل، أمثال "موشى ديان" و"يادين" و"وايزمان" و"هرتزوج" إلى أن يتحولوا إلى علماء آثار، وهواة حفريات.. ينقبون تحت الأرض، في القدس وما حولها، يفتّشون عن معابد يهودية قديمة، أو هياكل يهودية بائدة.. دون أن نسمع حتى الآن أنهم وجدوا شيئاً !لو كان في القدس، عندما دخلها المسلمون في السنة الخامسة عشرة من الهجرة، معبد أو هيكل يهودي، لأمر أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" بالإبقاء عليه، بل لأمر بصيانته ورعايته.. ولأمر بالمحافظة على نقوشه ومحتوياته، مثلما أمر بالمحافظة على كنائس المسيحيين ومزاراتهم، وما فيها من صور وصلبان وتماثيل.فلم يكن هناك سبب ديني -والدين هو الذي يحدد خطى المسلمين وأعمالهم في ذلك الزمان- يدعو إلى أن يفرّق المسلمون بين كنائس المسيحيين ومعابد اليهود.. فهؤلاء وأولئك من أهل الكتاب، وسوّى بينهم الإسلام في الحقوق والواجبات.. فإكراههم على الدخول في الإسلام محظور، وحقهم في أن يعيشوا في المجتمع الإسلامي سالمين آمنين مكفول.. هذا حق لليهود وللمسيحيين على السواء، تقابله واجبات، أو واجبان على وجه التحديد.. هما واجب "الجزية".. وواجب الامتناع عن إحداث فتنة عامة في المجتمع الإسلامي، لكي يعيشوا هم والمسلمون جنباً إلى جنب متفاهمين ومتعاونين.”
“و ربما كانت الإيجابية الوحيدة للصراع الذي دار بين الإسلاميين و غيرهم بعد نجاح الثورة ، أنه أسهم بطريق غير مباشر في توحيد الصف الإسلامي و استمرار تماسكه ، و لكن حسم ذلك الصراع لصالح الإسلاميين هيأ الفرصة لظهور ما كان مخفيا أو منسيا بينهم من عناصر التمايز أو التناقض ، و هو أمر ليس مستغربا في تجارب الثورات ، تبدأ بخصومها ، ثم حلفائها ، ثم تدور الدائرة على صناعها ، إلى أن يستقر الأمر لفرد أو لفريق متجانس تماما في الأهداف أو الطموح.”
“مات القرآن في حسنا . . أو نام . . ولم تعد له تلك الصورة الحقيقية التي كانت له عند نزوله في حس المسلمين . ودرجنا على أن نتلقاه إما ترتيلا منغما نطرب له , أو نتأثر التأثر الوجداني الغامض السارب ! وإما أن نقرأه أورادًا أقصى ما تصنع في حس المؤمنين الصادقين منا أن تنشىء في القلب حالة من الوجد أو الراحة أو الطمأنينة المبهمة المجملة!”
“إن هذا المسلم الذي يقبل العلمانية أو يدعو إليها - وإن لم يكن ملحدا يجحد وجود الله تعالى وينكر الوحي والدار الآخرة - قد تنتهي به علمانيته إلى الكفر البواح والعياذ بالله إذا أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل تحريم الربا أو الزنى أو شرب الخمر أو فرضية الزكاة أو إقامة الحدود أو غير ذلك من القطعيات التي أجمعت عليها الأمة وثبتت بالتواتر اليقيني الذي لا ريب فيه. بل إن العلماني الذي يرفض "مبدأ" تحكيم الشريعة من الأساس ليس له من الإسلام إلا اسمه، وهو مرتد عن الإسلام بيقين.”