“وصرنا كالجالسين أعلى منحدر حادّ، ننزلق بسرعة متزايدة نحو السفح ونحن نرقب انزلاقنا مستائين متعجبين كأننا مسلوبو الإرادة أمام جاذبية أرضية تشدُّنا إلى أسفل دون مقاومة منا، حتى وقع ما وقع وانهارت العملية الانتقالية برُمَّتها فى هُوَّة الحكم العسكرى المباشر.”
“وصرنا كالجالسين أعلى منحدر حادّ، ننزلق بسرعة متزايدة نحو السفح ونحن نرقب انزلاقنا مستائين متعجبين كأننا مسلوبو الإرادة أمام جاذبية أرضية تشدُّنا إلى أسفل دون مقاومة منا”
“كان هناك شىء فى الجو يجعلك تشعر بأنك أخ لكل الموجودين. لسبب ما اختفت الحواجز بين الناس، وصرنا ننظر فى أعيُن بعض دون خوف ودون حاجة إلى إخفاء نظراتنا. كأننا اكتشفنا بعضنا فجأة.”
“لكن كم منا يستطيع مقاومة الأمل حين يتعارض مع حسابات العقل؟”
“كل فرار مؤقت، حتى يرتطم بك نيزك آخر من الاستبداد وضيق الأفق. وإن واصلتَ الفرار ستعيش فى فرار دائم. لا وجود لذلك الحلم الذى باعه لنا عمر الخيام ومن سار فى خطاه: لا وجود للحديقة الغَنَّاء التى تستلقى فيها مع حبيبتك على بساط آمن وتأكلان وتشربان وتلهوان وتتحابان وتنامان على وقع الموسيقى وتستيقظان فى حبور، دون أن تشغلا بالكما بالعالم وشروره. لا مكان يا يحيى لهذا الحلم إلا فى المنام. أما هنا، فلا أمان لك دون الآخرين. لن تجد الأمان وسط الرعب، وإن خُيِّل إليك أنك وجدته فاعلم أنه مؤقَّت، وستأتى عصا غليظة وتنقضّ عليه فى أى وقت. يمكنك التظاهر بالأمان. يمكنك مواصلة الحياة على الهامش متخيلا أن شيئا ما سيحميك: منصبك، قريب أو صديق، حسن سلوكك وبُعدك عن المشكلات، أو قلة أهميتك. لكن لا شىء من هذا يحميك حين تنزل عليك كف السلطان الظالم، على وجهك، أو مسرحك، أو فقاعتك التى صنعتَ لنفسك، أو على رأس مدينتك بكاملها، أو حتى على وجه ذلك الذى يسير بجوارك. عندها، حتى لو لم تُصِبْك الضربة مباشرة فتقتلْك أو تجرحْك أو تقضِ على فقاعتك، فإنها ستصيب جارك، وسترى ذلك بعينيك، وينكمش فيك شىء، ينقبض فيك شىء، ينغلق فيك شىء، تتعظ، وتصير من هذا اليوم وصاعدا، ناقص الحرية، ناقص الإرادة، ناقص الشجاعة، ناقص الرجولة، ناقص الإنسانية.”
“أن العام الأول من الثورة خلخل حياتنا نحن، حتى حياتنا الشخصية وأصدقائنا وعلاقات بعضنا ببعض. لا أدرى كيف حدث ذلك، لكنه حدث. كأننا كلنا كنا مربوطين بشىء وانقطع، فصرنا نتحرك بحرية أكبر. أو كأننا عشنا تحت غطاء انكشف وطار فى عاصفة، فصرنا يرى بعضنا بعضا، ونرى أنفسنا، بشكل أوضح. أو لعلنا ببساطة صرنا أحرارا أكثر، ليس تماما، لكن أكثر مما كنا قبلها. وانعكس ذلك على كل شىء فى حياتنا.”
“ليس عندى ما أضيفه هذا العام وأنا أتأرجح حول نفسى فى هذا الانتقال الدائم من المخادعة إلى الرخاوة إلى الاستناد على آخر يحتويك وينقذك من كل هذا العفن ويأخذك فى سفر لا ينتهى إلى مفازات - متاهات الوحدة ... إلى الوحدة... إلى الوحدة.ليس عندى ما أضيفة هذا العام. سأكتب إليك العام القادم.. ربما.”