“عندما يصبح النظام السياسي بؤرة وتجسيداً لكل النشاطات في المجتمع، فإن النظام يكون كالله، ويكون الناس معه أو ضده، كافرين أو مؤمنين، فيستحقون على الأرض ما يستحقه المؤمن أو الكافر في السماء. وهذا هو بالدرجة الأولى ما يشل الفكر العربي.”
“النظام القائم في العالم الحديث نظام واحديّ وتوحيدي ، قائم على الانسجامية ، لايقدر أن يرى أيّ اختلاف أو أيّ نزوع نحو الاختلاف ، والتسوية والعاديّة والابتذال والتعميميّة تشكّل قوام ثقافته وسلوكه ، وهو بسبب هذا كله يعدّ من يختلف ، أي من يريد أن يخلق نفسه باستمرار ، مجنوناً أو رافضاً ، أو مخرباً”
“ويخلق "الفقهاء" في وعي العربي أنّ الماضي هو دائماً الأفضل والأجمل . ولئن كان هناك من يعرف جمال الماضي ، ويعرف كيف يكتشفه ، فإن ذلك هو الشاعر في المقام الأول . ولئن كان صحيحاً ، كما يعلمنا هؤلاء "الفقهاء" أن العرب لن يأتوا بشاعر أو فيلسوف أو فقيه في مستوى الشعراء والفلاسفة والفقهاءالأوائل ، أو يفوقهم ، فإن معنى ذلك أن وجود العرب نوع من الانحدار المتواصل ، وأنهم سائرون إلى الانقراض الثقافي . هل الفقه الأكمل ، حقاً والشعر الأكمل ، والفلسفة الأكمل ، والفن الأكمل ، والمعرفة الأكمل ، موجودة كلها في الماضي ؟ إذا كان الجواب بالإيجاب ، فلن يكون لتتابع الأزمنة وتغيرها ، وللموت والولادة ، أي معنى في حياة العرب ، ولن يكون كذلك للمعرفة وللشعر والفن والفلسفة أي معنى”
“وحدة الجماعة ، وحدة النص ، وحدة الحقيقة ، وحدة السلطة : تلك هي الأسس التي تقوم عليها بنية الفكر العربي السائد . وينبغي هنا أن نشير إلى أن الخلل الأساس في المحاولات التي نشأت زاعمة أن غايتها هي تحرير الإنسان العربي والعقل العربي من هذه البنية السائدة ، كامن في أنها أحلت نصاً محل نص ، وأن لنصها هو ، كذلك ، خصائص المطلق ، شبه المقدس . فالعربي ، اليوم ، كيفما فكّر ، يواجه نصاً - مرجعاً ، هو المعيار والحكم : سواء في ما يتصل بالغيب ، أو يتصل بالإنسان والعالم . وهكذا يعيش ويتحرك بين نصين - مرجعين : لاهوتي - ديني ، وزمني - ايديولوجي .”
“إن بُناها ( الثقافة السائدة ) ، سواء منها الدينية أو العلمانية ، تقوم على نفي المعارض أو إلغائه - ذلك أنها ليست بُنى تساؤل وبحث ، وإنما هي بُنى إيمان ووثوقية . وهي لاترى غير الخطأ والضلال في أي خطاب لا يقلد خطابها ، أو لا يُشبهه . وهي سلبية ، يحكمها الخوف من الحرية ، ومن الفكر - ولذا في ذات طابع شُرَطيّ ، ترى فيما تمارسه من الرقابة ، والمنع ، والحذف .. الخ شكلاً من أشكال ممارستها الفكرية . ومن هنا تنظر إلى المختلف ، على أنه غريب أو ( أجنبي ) ، وترى إلى كم ما ينقدها على أنه تجديف أو هرطقة ، وبعد عن الوطنية لاتتردد أحياناً في وصفه بالخيانة . وهكذا تقف عملياً ضد التحرير المجدد : تحرير اللغة والفكر والإنسان من كل قيد ، أيا كان .وهي في هذا كله تؤكد ألا حقيقة خارج السّلطة .”
“تكرار الموروث كمثل نفيه ، أو لنقل التكرار نوع آخر من النفي . وهؤلاء الذين يكررون الماضي ، لا يقومون في الواقع إلا بنفيه . فليس تكرار الأصول أو اجترارها هو ما يجعل الإنسان مرتبطًا بالأصول . بل نقدها والحوار معها . فما يؤصل الإنسان يكمن في المساءلة المستمرة للأصول .”
“إن ما نسميهِ بالواقع الخارجيِّ، أو الماديِّ أو الطبيعي ليسَ إلَّا جانباً من الوجود، وإنه إلى ذلك الجانبُ الأكثر ضيقاً. فما نسميه الحياة أو الوجود أكثرُ اتساعاً. ولهذا فإن الشعراء الذين يقصرون اهتمامهم وتعبيرهم على الجانب الأول، لا يهتمون، أخيراً، إلا بما هو ماثلٌ لدى الجميع، ولا يعبرون إلا عما يعرفه الجميع. إن موقفهم ينتمي إلى نزعةٍ طبيعية لا ترى من الشجرةِ حركتها الداخلية في جذرها ونسغها ونمائها، وإنما ترى الغصن والورقَ والثمر. غيرَ أنَّ ما وراء الطبيعة ليست إلا جزءاً آخر من الطبيعة.”