“عزز أداء الإسلاميين المقاومين من نفوذ التيار الإسلامي في كل أنحاء العالم الإسلامي. ولكن شرعية مقاومة الغزو الأجنبي لا تكفي وحدها لتجاوز حال الانقسام والتعدد التي تتسم بها المجتمعات الإسلامية الحديثة. تتسم شعوب أفغانستان ولبنان وفلسطين بتنوع سياسي وإثني وطائفي، يحمل قابلية للتحول إلى انقسام سياسي. لم ينجح المجاهدون الأفغان وخلفاؤهم في حركة طالبان في بناء توافق وطني، ودفعوا البلاد إلى حرب أهلية وعدم استقرار فاقم منه الاحتلال الأمريكي. وبينما أظهر حزب الله مؤشرات على أخذ التعددية اللبنانية في الاعتبار، فإن نجاحه في التعايش مع القوى الأخرى يواجه تحديات وتساؤلات كبيرة منذ اغتيال الرئيس الحريري. أما في فلسطين فسيكون من الصعب على الإسلاميين، وحماس بوجه خاص، إحراز مزيد من التقدم بدون تحقيق توافق وطني. وليس هناك شك في أن فتح نفسها بدأت في خسارة موقعها القيادي بعد توقيع اتفاق أوسلو وانهيار التوافق الفلسطيني الداخلي.”
“وسيكون من الصعب على الإسلاميين الارتفاع إلى مستوى تمثيل جماعاتهم الوطنية إن نظروا إلى أنفسهم بوصفهم طائفة مميزة عن بقية الشعب. التيار الإسلامي هو تيار سياسي يأخذ من التصور والتجربة الإسلامية مرجعا. ولكن الخطاب الإسلامي لا يعطي الإسلاميين قداسة ولا يجعلهم بالضرورة جماعة مختارة. كقوى سياسية، يصيب الإسلاميون ويخطئون، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ووحده الشعب هو من يملك الحق في الحكم على مصداقية الوعود والبرامج. إن ادعى الإسلاميون أن المرجعية الإسلامية توفر حصانة ما لهم، فسينتهون إلى بناء استبداد جديد، لا يمزق الشعوب والمجتمعات فحسب، بل يمزق القوى السياسية الإسلامية كذلك.”
“ولكن الدرس الذي يشارك السودان فيه تجربتي الإسلاميين في إيران وأفغانستان أن الإسلاميين لم يصلوا بعد إلى حل إشكالية الدولة الحديثة وعلاقتها بالمجتمع. في الحالات الثلاث لم يكن الوصول إلى السلطة هو المشكلة، بل كيف يكون التعامل مع أداة الدولة بعد القبض على مقاليدها.”
“في كل من سورية ومصر والجزائر استخدم الإسلاميون مسوغات مختلفة لإسباغ الشرعية على استخدامهم العنف المسلح. مرة استند العنف الإسلامي إلى مقولة الحاكمية، مرة إلى مفهوم الجاهلية المعاصرة، ومرة إلى مفاهيم سلفية استنبط منها تكفير الأنظمة الحاكمة ووجوب قتالها. ولكن العنف في الحقيقة كان خيارا عبر عن الاستقطاب الحاد في المجتمعات الإسلامية وعن انغلاق الأفق السياسي، ولم يعدم دعاته وسيلة أو أخرى لإضفاء شرعية عليه. وكان طبيعيا أن تصل موجة العنف إلى نهايتها بعد أن استعدت قوى اجتماعية عدة وعجزت عن مواجهة عنف الدولة. بيد أن المشكلة الأساسية لم تنته بعد. فلا في سوريا ومصر والجزائر، ولا في الكثير من الدول الإسلامية الأخرى، قدمت الدولة إجابة مقنعة عن السؤال الإسلامي الملح. هزم العنف الداخلي إلى حد كبير. ولكن، إن كان من الممكن هزيمة قوى العنف وعزلها، فإن التحدي الحقيقي يظل تحدي التعامل مع التيارات الإسلامية الإصلاحية: التيارات المدنية الداعية للتعددية والمشاركة الشعبية ومواجهة الفساد، وتسندها قطاعات شعبية واسعة.”
“ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة. وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية. وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به”
“إننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه إنما نحن نقول: إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية، إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية،وإنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية.. فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس !.”