“وقد رفضت دون تردد ما فهمه البعض من أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قد يغير على الناس دون دعوة، ويأخذه على غرة، فلا يدري القتيل لم قتل؟ ولا يدري الجريح لم جرح؟.الإسلام بطبيعته دين دعوة، يقول لك تعلم وعلم، اقتنع وأقنع غيرك، انقل الحق وأعل مناره حتى يستطيع الآخرون السير على شعاعه «ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير...».والبلاغ يجب أن يكون مبينا حتى ينتقل الوضوح من صدرك الى صدر سامعك، وتكونوا سواسية في الاستبانة والوعي!.وهذا ما عنته الآيات «قل: إنما يوحي الي إنما إلهكم إله واحد، فهل أنتم مسلمون، إن تولوا فقل آذنتكم ـ أعلمتكم ـ على سواء،وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون».”
“إن القاصرين من أهل الحديث يقعون على الأثر لا يعرفون حقيقته ولا أبعاده، ثم يشغبون به على الدين كله دون وعي، خذ مثلا ما يقطع الصلاة، فقد تشبثوا بحديث يقول إن الصلاة تقطعها المرأة، والحمار، والكلب الأسود!وجمهرة الفقهاء رفضت هذا الحديث، واستدلت بأحاديث أخرى تفيد أن الصلاة لا يقطعها شيء، وأن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يصلي وزوجته عائشة مضطجعة أمامه، كما أن ابن عباس مر بحمار كان يركبه أمام جماعة تصلي، فلم تفسد لها صلاة، والكلاب أبيضها وأسودها سواء!.”
“المنهج الذي هداني الله اليه ـ وله المنة ـ أن أعرف الرجال بالحق، ولا أعرف الحق بالرجال! وأن أنظر بتأمل الى ما قيل ولا أنظر بتهيب الى من قال!.”
“لا أدري لحساب من ينشر بعض الجاهلين أن سيد الدعاة يأخذ الناس على غرة من غير دعوة ولا بلاغ، وأن الدعوة كانت في مرحلة موقوتة ثم اختفت؟؟ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه..!”
“وكلمة الخروج على الحاكم كانت قديمًا تعنى شهر السلاح في وجهه، ولا أظن أحدا ينتظر من الإسلام أن يبيح هذا الحق لمن يشاء متى يشاء، وكل ما ذكره الإسلام في إطفاء بذور الحرب الأهلية قول الرسول: “ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان “، وهذا حديث لا غبار عليه، وأرقى الأمم الدستورية تعمل بوحيه في أيام حربها وسلامها، فإن حق الثورة المسلحة ليس كلأً مباحا يرعاه كلُّ غضبان، أما اعتبار المعارضة المشروعة خروجًا على الدين وحكومته يُقتل من أجلها المعارض استدلالاً من الحديث السابق فهو ما لا موضع له في أدمغة العلماء؛ إن السفلة من الحكام قتلوا كثيرًا من الناس جريًا على طبائع الاستبداد لا اتباعا لأحكام الله، فلا ينبغي الاعتذار للمجرمين بأنهم تأولوا آيات الكتاب وأحاديث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهم لا يعرفون لله حقًّا، ولا لرسوله حرمة، وقبيح بنا هذا الانتحالمن هنا نعلم”
“الإسلام دين يقوم على التراحم، وحديثه عن الله ـ عز وجل ـ يشير إلى طبيعة رسالته، وصبغة تعاليمه فهو يذكر عن الله ـ عز وجل ـ أن رحمته سبقت غضبه، ويعتبر الشرائع التى أنزلها على العباد أداة لإقرار الخير بينهم، ورفع الحرج عنهم..!”
“... أثار التفاتى منظر بائع فواكه يسوق عربته الصغيرة أمامه، وعليها صفوف مرصوصة متسقة من الثمر الجيد، قد وضعت الواحدة منه إلى جانب الأخرى بعناية ودقة ونظام لم يضطرب عقده على طول ما انتظم فيه من مئات وألوف. فكان المنظر ـ بحق ـ مغريا على الإعجاب إن لم يكن مغريا على الشراء. إن هذا الرجل قد أفرغ وسعه فى إجادة عرضه لبضاعته التى يرتزق منها. وهنا شعرت بخاطر سريع يعترض تفكيرى، ويلوى عنانه إلى ناحية أخرى.. سمعت سؤالا خافتا ينبعث من أعماق نفسى. هل أنت ـ كعالم دين ـ تنظم للناس بضاعتك، وتحسن عرضها على أبصارهم وبصائرهم، لتبعث فى نفوسهم الإعجاب على الأقل إن لم تغرهم بالإقبال والقبول؟ وشعرت بحيرة فى الإجابة! ومعنى هذه الحيرة أن الجواب بالسلب! وبدا لى كأن علماء الأديان يكتفون بما لها من قيمة اسمية طنانة، وبما لهم فيها من منازل متوارثة عالية، فهم لا يجشمون أنفسهم مشقات العرض المنظم الطويل لما لديهم من بضائع، هى ـ لا ريب ـ أنفس ما فى الحياة من عروض. ماذا يتصور الناس عندما يسمعون صوت الدين، أو عندما يلمحون سمت رجاله؟ إن أذهانهم تعتريها صور مبهمة للحرمان والتزمت، ورسوم فاترة للسكون الموحش، والفناء القريب. وتلك الصور الخاطئة وحدها تكفى لهدم كل ما يجب للدين من محبة خالصة عميقة، وتكفى لصرف النفوس عن مبادئه وفضائله. فالدعاية للدين، تشبه أن تكون معكوسة النتائج لا تغرى الرائين بالمجىء إلا لتغريهم بالانصراف، وهذا فشل ذريع يحمل تبعته العارضون المفرطون. إن حسن العرض طابع العصر الحديث.والمذاهب المتكاثرة التى تتراكض فى زحام الحياة تتمتع بدعاة أقوياء يشدون أزرها، ويقيمون أمرها.. ومن الخير لعلماء الدين أن يهجروا ـ إلى غير عودة ـ حياة التراخى والطمأنينة، وأن يقبلوا على ما لديهم، يعرفونه على حقيقته، ثم يعرفون الناس حقيقته من غير تزيد، ولا انتقاص. فمن الظلم الفادح للجمال الغالى أن يلف فى بالى الخرق، وأن يتراكم عليه الوسخ والتراب.”