“ألم تشهد حياة كثيرين منا مواقف معينة بكينا أمامها وأسفنا علي ما فاتنا فيها, وضاقت صدورنا باحتمالها, ثم لم تلبث الأيام أن أثبتت لنا أنها لم تكن سوي مقدمة لخير عميم أراده الله لنا.. وقصرت آمالنا حتي عن التطلع إليه؟وألم تراودنا في بعض مراحل العمر آمال رغبنا بشدة في أن نحققها لأنفسنا, وشعرنا بالحسرة لعجزنا عن بلوغها, ثم مضت بنا رحلة الحياة فإذا بنا نسلم لأنفسنا بأننا لو كنا قد بلغنا تلك الآمال في حينها, لحالت بيننا وبين ما أرادته لنا السماء فيما بعد من خير أعم وأبقي؟لهذا المعني نفسه.. قال ابن عطاء الله السكندري في حكمته الشهيرة: لا تطالب ربك بتأخر مطلبك.. ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك. يقصد: لا تحاسب ربك عن تأخر تحقيق مطلبك منه.. وإنما حاسب نفسك أنت عن تأخر أدبك في الطلب منه.. أي تأخرك في الاعتماد عليه فيما تريده لنفسك وتأخرك في النهوض إلي الطاعات لكي يحقق لك آمالك وقلة صبرك علي ما تريد منه.. وتعجلك له.فعطاؤه سوف يجئ حين يئن الأوان وليس قبله..وأفضل العبادة انتظار الفرج.”
“لا تطالب ربك بتأخر مطلبك ولكن طالب نفسك بتأخر أدبك”
“لو أتيح للإنسان أن يطلع علي ما تخبئه له الأيام لاستخسر أن يبدد الأوقات الخالية من مشاكل الحياة الحقيقية في الشقاء بما لا يستحق الشقاء به, ولأحسن الاستمتاع بأوقات السعادة الصافية من كل الأكدار وغبط نفسه عليها.. ورجا ربه أن يطيل أمدها في رحلته ويحفظها عليه.لكن متي أتيح للإنسان أن يعرف ما سوف تحمله له أمواج الحياة في قادم الأيام, ليسعد بحياته الحالية ويدرك كم هو سعيد الحظ لخلوها من الآلام الجادة؟إننا للأسف لا نتنبه إلى ذلك إلا حين تداهمنا اختبارات الحياة القاسية, ولا ندرك قيمة السعادة المتاحة لنا إلا بالمقارنة مع ما نواجهه فيما بعد من أحزان وشقاء, ولو ألهمنا الحكمة في الوقت المناسب لأبينا أن نبدد لحظة واحدة من الأيام الخالية فيما لا يستحق العناء من اجله أو الشكوي منه, ولادخرنا كل قوانا النفسية والصحية لمواجهة ما تخبئه لنا أمواج الحياة من أنواءتماما كما يستثمر الملاح أوقات هدوء الرياح في الراحة والاسترخاء والاستمتاع بجمال الطبيعة, لكي يستنفر كل طاقته للسيطرة علي السفينة حين تهب عليها أعاصير الشتاء.”
“يبدو أننا أحياناً نفضل أن ندور حول رغباتنا بدلاً من الاعتراف بها لأنفسنا والمجاهرة بها، حتى لا نتحمل في سبيل ذلك بعض العناء كضريبة ضرورية لنيل ما نريد ،أو لأننا نغمغم لأنفسنا بما نرغب ونترقب من الأقدار أن تهبه لنا بغير أن نبدو نحن ساعين إليه أو متلهفين عليه لأننا نخجل أن نجاهر به و-"الخياط العظيم لا يقص كثيراً " كما يقول المثل الصيني ،وإنما يمضي إلى هدفه المحدد بلا تردد فلا يقطع إلا ما يتطلبه تحقيق هذا الهدف أما نحن فإننا نقص في إتجاهات مختلفة وبعيدة عن الهدف الذي نتمناه صامتين وننتظر من يرغمنا على السعادة التي نعرفها ونريدها من أعماقنا”
“الإنسان مهما حاول أن يخدع نفسه ويتعامى عن الحقيقة فإنها تظل تطارده إلي أن تنفجر في وجهه كالقنبلة الزمنية في أي لحظة. وبقدر ما نهرب من الحقيقة بقدر ما يكون انهيارنا أمامها نهائيًا. وبقدر ما تتضاعف أمامها الآلام والمشاكل حتى لنتمنى حين نجد أنفسنا أخيرا أمامها لو كنا قد وفرنا على أنفسنا عذاب الهروب والمطاردة وخداع النفس، وواجهناها منذ البداية وتحملنا تبعات تلك المواجهة بشجاعة، فلا أحد يستطيع أن يتجاهل الحقيقة حتى النهاية، ولا أحد ينجو من تبعات ما جنت يداه ذات يوم مهما طال الفرار، ومهما كان ماهرًا في خداع الآخرين.. وخداع نفسه.”
“إن إدارة البشر من أصعب المهام الإنسانية علي وجه الإطلاق، ونيل رضاهم جميعا في نفس الوقت من الأحلام شبه المستحيلة، لأن بعض البشر لا يرضيهم إلا أن تعطيهم ما لا حق لهم فيه، وإلا أن تتغاضي عن تقصيرهم وأخطائهم، وتسوي بينهم وبين من يكدحون ويعملون، وينتظرون أن تميزهم عن غيرهم من الكسالي، فإن أرضيت هؤلاء، خسرت الآخرين، وإن أرضيت الجميع، خالفت العدل والحق والضمير.أما حين تصبح مسئولا عن "إدارة" نفسك وحدها، فالأمر متروك لك كله، إن شئت أحسنت الإدارة وحققت العدل مع نفسك، وجنيت ثمار ذلك، وإن شئت أسرفت علي نفسك، وأسأت إدارة قدراتك، ودفعت ثمن ذلك أيضا راضيا.”
“إننا نتصور أحيانا بعقولنا القاصرة أننا نختار لأنفسنا حياتنا وفقا لحسابتنا وتدبيرنا فقط. فيجهد البعض منا نفسه في التحسب.. والتفكير.. لكيلا نشقى بما اخترناه في المستقبل وننسى أن المستقبل في النهاية بي الله وحده وأن مبالغتنا في ذلك لن تغير مما كتب لنا اللوح المحفوظ شيئا”