“يا من خصني بهذا القلب العاشق الذي يتألم ويضطرب حتى عندما ألمس كتاباً أعرف أن فيه قصة حب وهو مع ذلك يتكبر على كل آلامه ولا يخضع أبداً إلا جواباً على خضوع آخر فكأنه لا يدنيني ممن أحبهم إلا لأعرف ما أكرهه فيهم، وهو من فرط رقته آلة إحساس جامدة لا قلب حي”
“والقلبُ الإنساني يكاد يكون آلة مخلوقة مع الإنسان لإصلاح دنياه أو إفسادها؛فالحكيم من عرف كيف يتصرف بهذا القلب في آلامه وأوجاعه، فلا يصنع من ألمه ألماً جديداً يزيده فيه، ولا يُخرج من الشر شراً آخر يجعله أسوأ مما كان. وإذا لم يجد الحكيم ما يشتهي، أو أصاب ما لا يشتهي ، استطاع أن يخلق من قلبه خَلقاً معنوياً يُوجده الغنى عن ذلك المحبوب المدوم، أو يوجده الصبر عن هذا الموجود المكروه؛ فتتوازن الأحوال في نفسه وتعتدل المعاني على فكره وقلبه”
“متى قدحت الجميلة على فلب رجل أضاءته،فيضيئها نوره بألوان من الحسن لا يراها ولا يدركها ولا يصدق بخا إلا صاحب هذا القلب. فلو أن الشمس دامت تصب أشعتها على طلعة هذه المرأة ألف سنة تحياها جميلة شابة لا تضعف ولا ترق سنها، لما كشفت لأعين الناس شيئا من تلك المعانى السحرية التى يكشفها ضوء قلب عاشقها لعينيه، وما ضوء قلبه إلا منها،فلن تكون فيه إلا ما أحبت أن تكون فيه..”
“فاعلم أنى لا أحب فيها شىئا معينا أستطيع أن اشير إليه بهذا أو هذه أو ذلك أو تلك ولا (بهؤلاء)كلها..إنما أحبها لأنها هى كما هى هى ، فلإن فى كل عاشق معنى مجهولا لا يحده علم ولا تصفه معرفة، وهو كالمصباح المنطفىء: ينتظر من يضيئه ليضىء ، فلا ينقصه إلا من فيه قدحه النور أو شرارة النار...”
“الناس مضوا على أن لا يعرفوا الحقيقة إلا بأوصافها ، ولا يعرفوا من أوصافها إلا ما يتعرّف إليهم من ظاهرها الجميل ، أما باطن الحقيقة الذي يحتوي السر المُحزن فهذا يعرفه من يفهَم لغة الطبيعة ، وما لُغتها إلا أفعالها .”
“يا من وهب عبادة العقل بين هذه النواميس التي لا تعقل، حتى لا يتم أبداً عقل إنسان ولا تكمل أبداً حكمة حكيم فيظل باب الخطأ مفتوحاً لأكبر العقول وأصغرها، وتكون الحيرة قاعدة من قواعد العقل، ليخرج من ذلك أن يكون التسليم قاعدة من قواعد القلب”
“إن ألم العاقل غير ألم المجنون، وحزن الحكيم غير حزن الطائش؛ والقلب الإنساني يكاد يكون آلة مخلوقة مع الإنسان لإصلاح دنياه أو إفسادها؛ فالحكيم من عرف كيف يتصرف بهذا القلب في آلامه وأوجاعه، فلا يصنع من ألمه ألمًا جديدًا يزيده فيه، ولا يُخرِج من الشر شرًّا آخر يجعله أسوأ مما كان.”