“و لقد أختبرت الطرق الكلامية، و المناهج الفلسفية، فما رأيت فائدة تساوى الفائدة التى وجدتها فى القرآن العظيم، لأنه يسعى فى تسليم العظمة و الجلال بالكلية لله تعالى، و يمنع عن التعمق فى إيراد المعارضات و المناقضات. و ما ذاك إلا العلم بأن العقول البشرية تتلاشى و تضمحل فى تلك المضايق العميقة، و المناهج الخفية فلهذا أقول، كلما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده و وحدته وبرائته عن الشركاء فى القدم و الأزلية، و التدبير و الفعالية، فذاك هو الذى أقول به و ألقى الله تعالى به. و أما ما انتهى الأمر فيه إلىّ بالدقة و الغموض، فكل ما ورد فى القرآن و الأخبار الصحيحة المتفق عليها بين الأئمة المتبعين للمعنى الواحد، فهو كما هو. و الذى لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين إنى أرى الخلق مطبقين على أنك أكرم الأكرمين و أرحم الراحمين، فلك ما مر به قلمى أو خطر ببالى فأستشهد علمك. و أقول: إن علمت منى أنى أردت به تحقيق باطل أو إبطال حق فافعل بى ما أنا أهله، و إن علمت أنى سعيت إلا فى تقرير ما أعتقدت أنه هو الحق، و تصورت أنه الصدق، فلتكن رحمتك مع قصدى لا مع حاصلى. فذاك جهد المقل”
“ما الذى روّعه ؟ أهو منظر العظام قى ذاتها، أم فكرة الموت الممثلة فيها، أم المصير الآدمى و قد رآه أمامه رأى العين ؟و لماذا لم يعد منظر الجثث و العظام يؤثر فى مثلى و فى مثل الطبيب ، و حتى فى مثل اللحاد أو الحراس هذا التأثير ؟ يخيل إلىَّ أن الجثث و العظام قد فقدت لدينا ما فيها من رموز. فهى لا تعدو فى نظرنا قطع من الأخشاب و عيدان الحطب و قوالب الطين و الآجر. إنها أشياء تتداولها أيدينا فى عملنا اليومى. لقد انفصل عنها ذلك الرمز الذى هو كل قوتها؟..ما مصير البشرية و ما قيمتها لو ذهب عنها الرمز ... "الرمز" هو فى ذاته كائن لا وجود له. هو لا شئ و هو مع ذلك كل شئ فى حياتنا الآدمية. هذا اللا شئ الذى نشيد عليه حياتنا هو كل ما نملك من سمو نختال به و نمتاز على غيرنا من المخلوقات.”
“ضاع شبابنا فى نظريات شديدة السذاجة عن ضرورة الالتزام إلا بما يفيد الحاضر و يحقق طموحات المستقبل . و عندما مضى قطار العمر اكتشفنا أن كل ما تعلمناه خطأ , و كل ما اتبعناه كان باطلاً , و أن الحقيقة الوحيدة هى زيزى و ما عداها فهو باطل و قبض الريح , ما أكثر الفرص التى مرَّت بى فى حياتى و لم ألتفت إليها ! و من هو الأقدر ؟ أينشتاين الذى اخترع النسبية ؟ أم حميدكو الذى اكتشف أقصر الطرق لكسب الفلوس ؟ و ممارسة الحياة اللذيذة ؟ هل أندم على الحياة التى عشتها ؟ و القضايا التى اعتنقتها , و المعارك التى خضتها , و الأيام السود التى تجرعت مرارتها فى المنافى و السجون.”
“انظر ..أترى ثمة شعباً مستعبداً يجتمع كما تتراكم الأنقاض، و يتفرق كما تتبدد، و ليس منه فى الاجتماع و التفرق إلا صورتان للخراب كالبومة فى التشاؤم؟ إنك لتنتظر الشعب الذى يحلم و هو مستيقظ؛ ألا تراه يعمل على السخرة و يطيع بالإرادة أو بالوهم الذى صار له كالإرادة، و يشك فى أنه يخاف من المستبد أو يخاف من أن يشك فيه، و يرجو على قوّته ما يرجوه الأجير أن يملك يده ساعة ليتناول بها لقيمات يُقمن صلبه و أن ينتهى عمل يومه ليوقن أنه إنسان كالناس له يد يملكها؟ هذا دأب الاستبداد و دأب الشعب الضعيف الذى ابتلى بالنقص عن مكافأة المستبد به و مساواته؛ و كثيراً ما لا يكون هذا النقص فيه إلا بمقدار درهم واحد من الفضة التى نزلت عن مقدار الذهب. و لكن أين هذا الدرهم المتمم؟ درهم واحد من الشعب يكون الشعب كله و يجعله مالكاً بعد أن كان مملوكاً، و حاكماً بعدأن كان محكوماً، و يخرجه فى التاريخ من رتبة ألى رتبة.”
“فى أثناء الحروب يكون من الصعب دائما التفرقة ما بين ما هو تراجيدى و ما هو مثير للضحك، و بين ما هو بطولى و ما هو مثير للحزن و الكآبة”
“الشريعة الإسلامية باقية .. و فيها و لاشك الصالح لكل زمان و مكان. و قد يكون فيها ما لايصلح لزمان معين و مكان محدد .. و فيها ما يجرى عليه قول النبى الكريم "أنتم أدرى بشئون دنياكم" .. و فيه ما لم يأخذ به عمر بن الخطاب فى عام معين هو عام المجاعة .. و نحو ذلك مما يوجب علينا دراسة كل هذا بعمق و أناة بعيداً عن السطحيات و الإشاعات و الشعارات .. و على رجال الدين فى كل هذا أثقل التبعات .. و لهم الحق فى أن يقفوا ضد "العلمانية" إذا كانت تقصد إيعادهم عن شئون الدنيا .. و دورهم فى الدنيا قائم بحكم الإسلام و لكن يجب أن يدرسوا و يوضحوا للناس ما ينبغى أن تقوم عليه الدنيا من عمل صالح و منتج و نافع و مرتفع ...”