“بقدر ما يزداد الطابع الدهري للدولة يزداد الطابع الطائفي للامة والسلطة. والملوك والسلاطين الاكثر دهرية في حقيقة نفوسهم وفي ممارساتهم هم الاكثر ميلا للاستسلام, في السياسة , للاهواء الطائفية. فالمثالية وروحها الدينية المطرودة, كروح شريرة من الدولة, لا تلجأ الى الشعب الا كي تعد تحولها المقبل وتقمصها الشيطاني من قبل السلطة. وهكذا تجد الامة المشدودة بين دولة المتفوقين وحقارة الهابطين وحدتها التاريخية المنجاة دائما الى تأكيد في الحروب الطائفية والنزاعات المحلية.”
“كل الحركات العربية الحديثة ليست إلا حركة واحدة الواحدة لتكديح الشعب اي تحويل الشعب الى عمالة مأجورة ورثّة هنا بالضرورة من اجل رفع وتعظيم الفائض الاقتصادي والتكديح لا يعني فقط فصل المنتج عن وسائل الانتاج ولا بالضرورة تحرير قوة العمل لدفعها الى سوق العمل لكنه تجريد كلي للمنتج عن كل نظام عقلي ومباديء وقيم وعن كل سلطة سياسية لتكوين قوة عمل مجردة ومكرسة في حياتها الفانية والأبدية للإنتاج ”
“الاستبداد يفضي إلي تخلف العقل، وتخلف العقل يؤدي إلى تخلف التربية وتخلف التربية يؤدي إلي نقد التراث والدين. وهكذا نظل ندور في حلقة مفرغة منتقلين من المشاكل الثقافية إلى المشاكل السياسية والاجتماعية والتاريخية دون أن نستطيع حسم أي منها.”
“إن نظره سريعة إلى مايجيش به المجتمع العربي من صراعات وانفجارات لكافية لرؤية الأبعاد الروحية والمادية لهذه الأزمة المفتوحة. ولعل أهم مظاهرها وأعمقها اليوم هي فقدان الأمن والطمأنينة، وزوال كل يقين، والخوف من العالم والميل إلى الإنطواء على النفس والتخلي عن كل موقف إيجابي تجاه الواقع، والخلود إلى موقف السلبية الشاملة المتجسدة في رفض الذات وفي رفض الآخر معًا، وغياب فاعلية كل المثل الكبرى الباعثة للأمل والحاثة على العمل والمحفزة للإرادة”
“تقود السلطة الأوتوقراطية إلى حرمان المجتمع من حقيقته الإنسانية و قدرته على التسامي فوق واقعه المادي المباشر و المتعثر , أي تجرّ إلى التسوية الكاملة بين الأفراد في العبوديّة أمام السلطان الأوحد , و تخلق الدولة الاستبدادية التي ليس لها دين و قانون و شريعة سوى إرادة الحاكم الفرد و مزاجه”
“من تلك الدوافع والمقاصد ما يحصل بقصد التماهي مع الآخرين ومشاركتهم آراءهم وعقائدهم، كثيرًا ما يدفع حب التواصل والانسجام إلى الامتثالية والاقتداء. ومنها ما يحصل بحافز الهوى فلا يرى الباحث موضوعه إلّا من زاوية اشباع الرغبة المادية أو المعنوية التي دفعته إليه. ومنها ما يحصل بقصد الفهم والمرفة الخالصة، ويمكن لحب المعرفة أن يؤدي إلى الاستغراق في الموضوع وتجاهل كل ما يحيط به من عوامل وعواطف وقيم وأهداف إنسانية. ومنها ما يحصل بقصد تغيير الموضوع فيدفع الباحث إلى رؤية عناصر التغيير وتجاهل عناصر الثبات، إلخ.فكل مقصد من هذه المقاصد يظهر جانبًا من الواقع ويخفي جانبًا آخر لا يريد ان يبصره ولا يوليه اهتمامًا. وليس ناك مقولة او نظرة واحدة تستطيع ان تشمل كل المقاصد وترى الموضوع في جميع حالاته ومن جميع جوانبه مادام لا يوجد وعي متجرد عن كل شرط وحاله وموقع وزمان ورغبة. وهذا أصل أساسي من اصول اختلاف الناس في فهمهم للأمور، وسبب من اسباب تباينهم في الرأي. فإضافة إلى اتلاف الكلام باختلاف المتكلم وموقعه وشروط تكوينه الذاتيه وظروفه الاجتماعية وطبيعة المتلقي والشاهد وموقعه ومكانه وهي كلها عوامل تجعل الحقائق نسبية والمعارف متبدلة، هناك مقاصد الكلام المعلنة او الخفيّة التي تعبر عن مبدأ العلاقة الأولى بين الذات المفكرة وموضوع التفكير. وبقدر صدق الرغبة ووضح المقصد يكون وضوح الفكرة ووعي الباحث لحدود معرفته وظروفها.وترجمة هذا بالنسبة لموضوع الواقع العربي، أن التغيير الذي تطالب به كل الأطراف لا يمكن أن يتحقق إلا بقدر صدق الرغبة فيه ووضوح مقصده. وتوجه البحث نحو فتح آفاق جديدة للمارسة وللمبادرة الاجتماعية. وهذا يقتضي التركيز على مكامن القوة في الواقع والثقافة والتاريخ العربي مقابل نقاط الضعف والتفكك، ورؤية التناقضات المحركة مقابل التشديد على التماثلات المجمدة والمثبطة”