“ما ينبغي أن تُبغض إلى البائس بؤسه ولا أن تُكره إليه شقاءه، وإنما ينبغي أن تحبب إليه البؤس، ليتحمله وليزيد منه إن استطاع، وأن تزين في قلبه الشقاء، ليصبر عليه ويمعن فيه إن وجد إلى الإمعان فيه سبيلا؛ فالبؤس قضاء محتوم على البائسين، كما أن النعيم قضاء محتوم على المنعَّمين؛ والشقاء قدر مقدور على الأشقياء، كما أن السعادة قدر مقدور على السعداء.والرجل الحازم العازم الحكيم خليق أن يرضى بالقضاء المكتوب، والقدر المحتوم، يحتمل الخير غير زاهد فيه، ويحتمل الشر غير ساخط عليه؛ ولأمر ما وُصِفَ الشرقيون بأنهم أصحاب إذعان للقضاء، واستسلام للقدر، ورضا بالمكروه فلنصدق على أقل تقدير قول الغرب عنا وظنه بنا ورأيه فينا، ليصطنع المترفون الشجاعة ليحتملوا الترف، وليصطنع البائسون الشجاعة ليحتملوا البؤس، وليصبر أصحاب الثراء على محنتهم بالثراء، وأصحاب الحرمان على فتنتهم بالحرمان، حتى ينتهي أولئك وهؤلاء إلى الموطن الذي لا يكون فيه ثراء ولا حرمان، والذي لا يكون فيه فقر ولا غنى، والذي لا يكون فيه يسر ولا عسر، والذي تتحقق فيه المساواة بين الناس جميعا حين يصيرون إلى تراب كما خلقوا من تراب.”