“كان الشلال يهدر بعنف, ومياهه تندفع من الحافة العالية لتهوي على صخور البازلت السوداء في باطن المجرى, على عمق مائة متر. ومن هذا السقوط المروع لآلاف الأطنان من المياه على الصخور الكبيرة الصلبة, كانت تتصاعد سحب كثيفة من رذاذ الماء المتكسّر على الصخور. وفي وسط العشب الغزير بالغابة المحيطة بالشلال فزع غزال وديع أزعجته الضوضاء, فقال ببعض الضيق: (ألا يمكنك أن تكون أهدأ أيها الشلال العظيم?), ودون أن يتريث لحظة, واصل الشلال اندفاعه وهديره ساخرا من رقة الغزال: (هه هه هاه... اسكت أيها المخلوق الهش, وامضغ عشبك في هدوء). لم يُخف الغزال ضيقه من عجرفة الشلال, وهمهم بصوت خافت: (حقا... ما دخل العنف في شيء إلا شانه, وما دخل الرفق في شيء إلا زانه). سمعت سلحفاة عجوز قول الغزال, وأحست أن به معنى جميلا, فسألته: (هلاّ شرحت لي مغزى ما قلته أيها الغزال?) وجاوبها الغزال مقربا فمه من رأسها, هامسا حتى لا يثير غضب الشلال الجامح: (إنه يعيرني بأنني هش وآكل العشب.. لكنه لا يدري أنه بعنفه يأكل نفسه). مدت السلحفاة رقبتها مطلة برأسها خارج الصدفة الكبيرة على ظهرها وهتفت غير مصدقة: (يأكل نفسه?!) تمطى الغزال رافعا رأسه مستنشقا عبير الغابة المنعش, وقال باطمئنان الواثق مما يعرف: (أكيد... إنه يأكل نفسه), ودون أن تسأله السلحفاة, بادر الغزال يشرح للسلحفاة: (هذه حقيقة... الشلالات العنيفة تأكل نفسها. فمياه الشلال وهي تسقط من الحافة العالية باندفاع, تنحت الحافة وتحفر فيها مجرى يزداد عمقا باستمرار, وعلى مر الزمن لا تجد المياه حافة عالية تسقط من فوقها على هيئة شلال, بل تسير في المجرى مشكلة نهرا صغيرا في قاع الجرف العميق). اندهشت السلحفاة من حديث الغزال, وأخذت تراقب الشلال كيف يجعله العنف يأكل نفسه, لم تستطع أن تتبين ذلك بوضوح خلال فترة عمرها الذي وصل إلى مائة سنة, لكنها كانت تخبر أبناءها, وهؤلاء يخبرون أبناءهم, لتمر آلاف السنين, ويتأكدون أن الشلال حقا - بعنفه واندفاعه - يأكل نفسه.”

محمد المخزنجي

Explore This Quote Further

Quote by محمد المخزنجي: “كان الشلال يهدر بعنف, ومياهه تندفع من الحافة الع… - Image 1

Similar quotes

“حقاً .. ما دخل العنف في شئ إلا شانه، وما دخل الرفق في شئ إلا زانه.”


“لا أدري لحساب من ينشر بعض الجاهلين أن سيد الدعاة يأخذ الناس على غرة من غير دعوة ولا بلاغ، وأن الدعوة كانت في مرحلة موقوتة ثم اختفت؟؟ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه..!”


“إن الكلام يتدفق بسرعة عندما يحس القلب بالأذى .. و هو أسرع من الشلال عند مخارج المياه .. فأحذر من الاندفاع ساعة الغضب”


“و من الواجب على المسلم أن يقتصد في مطالب نفسه حتى لا تستنفد ماله كله, فان عليه أن يشرك غيره فيما اتاه الله من فضله, و أن يجعل في ثروته متسعا يسعف به المنكوبين و يريح المتعبين”


“ما الفائدة من أن تكون قادراً على كتابة أي شيء في هذا العالم, ولست قادراً على تغيير أي شيء في هذا العالم .”


“لأصل للفن أنه وجدان مفتوح على الكون، إنه قلب اتسعت أقطاره لترى ما في الدنيا مما صنع الله فيها من جمال."من الممكن أن تتحول الفنون إلى عوامل بناء لا إلى عوامل هدم، وأنا أرفض أن يجيء إنسان فيفرض انسحابه من هذه الدنيا على الناس، ويقول لهم: اتركوا هذه الفنون، لا، لا أتركها "وهناك أناس اتصلوا بالدين من جانب ضيق فيه، وأحبوا ويحبون أن يكون الدين كآبة، ويحبون أن تكون نظرتهم له نظرة فيها ضراء وبأساء، وهذا مرفوض، فإن الله (سبحانه وتعالى) لما شرح لنا علاقة الخلق به لم يشرحها على هذا النحو، بل قال: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" (الأعراف: 32)، أي هي لهم في الدنيا يشاركهم فيها غيرهم من الكفار، ولكنها تخلص لهم وحدهم يوم القيامة، وبين أن الذي حرمه معروف "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" (الأعراف: 33).من غير شك، الفنون ينبغي أن يكون لها مجال في حياتنا، وألفت النظر إلى أن الإباحة هي الأصل في الكون "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا" (البقرة: 29). أنا أرى أنه من الممكن أن تتحول الفنون إلى عوامل بناء لا إلى عوامل هدم، وأنا أرفض أن يجيء إنسان فيفرض انسحابه من هذه الدنيا على الناس، ويقول لهم: اتركوا هذه الفنون، لا، لا أتركها، أنا أحولها إلى ما يخدم مبادئي وأهدافي.”