“و ربا الفضل المحرم بأحاديث الآحاد – و هو بيع الدرهم مثلاً بالدرهمين – لم يكن تحريمه لذاته قصداً، و انما حرم سداً للذرائع، حتى لا يتخذ وسيلة إلى الربا الجليّ الذي لا يشك فيه.و قد عرض الإمام الغزالي لعلة تحريم هذا النوع من ال ربا فقال في كتاب (الشكر) من إحياء علوم الدين: (من نعم الله تعالى خلق الدراهم و الدنانير، و بهما قوام الدنيا، و هما حجران لا منفعة في أعيانهما، و لكن يضطر الخلق إليهما من حيث أن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه و ملبسه و سائر حاجاته... و ما خلقت الدراهم و الدنانير لزيد خاصة، ولا لعمرو خاصة، إذ لا غرض للآحاد في أعيانهما. و إنّما خلقا لتتداولهما الأيدي فيكونا حاكمين بين الناس... فكل من اتخذ من الدراهم و الدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة... و كل من عامل معاملة الربا على الدراهم و الدنانير فقد كفر النعمة.”
“(من مسوغات العزل) الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، و الاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب و دخول مداخل السوء. و هذا أيضاً غير منهيّ عنه، فإن قلة الحرج معين على الدين، نعم الكمال و الفضل في التوكل، و الثقة بضمان الله حيث قال: (و ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، و لا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال، و ترك للأفضل، و لكن النظر إلى العواقب و حفظ المال و ادخاره – مع كونه مناقضاً للتوكل – لا نقول: إنه منهي عنه.”
“و أوصى [الإسلامٍ] بالبر و الإحسان بين المواطنين و إن اختلفت عقائدهم و أديانهم: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم) الممتحنة. كما أوصى بإنصاف الذميين و حسن معاملتهم: (لهم ما لنا و عليهم ما علينا). نعلم كل هذا فلا ندعو إلا فرقة عنصرية، و لا إلى عصبية طائفية. و لكننا إلى جانب هذا لا نشتري هذه الوحدة بإيماننا و لا نساوم في سبيلها على عقيدتنا و لا نهدر من أجلها مصالح المسلمين، و إنما نشتريها بالحق و الإنصاف و العدالة و كفى.”
“و الخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط ( و قد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن) هش الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور، و ترك النساء. و هو انحراف في الفطرة شنيع. فقد برأ الله الذكر و الأنثى؛ و فطر كلاً منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته و مشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل، الذي يتم باجتماع الذكر و الأنثى. فكان هذا الميل طرفاً من الناموس الكوني العام، الذي يجعل كل من في الكون و كل ما في الكون في حالة تناسق و تعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود. فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف، و لا يحقق غاية، و لا يتمشى مع فطرة هذا الكون و قانونه. و عجيب أن يجد فيه أحد لذة. و اللذة التي يجدها الذكر و الأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة. فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط. و من ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا، لخروجهم من ركب الحياة، و من موكب الفطرة، و لتعريهم من حكمة وجودهم، و هي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج و التوالد.”
“هل يمكن يا حبيبتي أن يقتلني هؤلاء العرب إذا عرفوا في يوم من الأيام أنني لا أحب إلا الشعر و الموسيقى ، و لا أتأمل إلا القمر و الغيوم الهاربة في كل اتجاه .أو أنني كلما استمعت إلى السيمفونية التاسعة لبتهوفن أخرج حافيا إلى الطرقات و أعانق المارة و دموع الفرح تفيض من عيني.أو أنني كلما قرأت " المركب السكران" لرامبو ، اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام ، و ما في خزانتي من ثياب ، و ما في جيوبي من نقود و أوراق ثبوتية من النافذة .نعم فكل شيء ممكن و محتمل و متوقع من المحيط إلى الخليج”
“لذلك أوصي كل قارئ لهذه الفصول أن يتخذ له دفترا , يدون فيه كل عشية ما رأى في يومه , لا أن يتكب ماذا طبخ و ماذا أكل , و لا كم ربح و كم أنفق , فما أريد قائمة مطعم , و لا حساب مصرف . بل أريد أن يسجل ما خطر على باله من أفكار , و ما اعتلج في نفسه من عواطف , و أثر ما رأى و سمع في نفسه , لا ليطبعها و ينشرها , فما كل الناس من أهل الادب و النشر , و لكن ليجد فيها يوما نفسه التي فقدها ..”