“وبالرغم من هذا الاتفاق بين إصلاحيي القرن التاسع عشر ودعاة هذه الأيام التليفزيونيين, في قراءة أزمة التأخر العربي بعامل الابتعاد عن الإسلام, فإنه يبقي أن قراءة كل منهما لتلك الظاهرة تختلف عن قراءة الآخر لها علي نحو كامل. وللمفارقة فإن القراءة الإصلاحية, القادمة من القرن التاسع عشر, لهذه الظاهرة, كانت أكثر وعيا واستنارة من القراءة الراهنة التي يقدمها دعاة هذه الأيام لها. إذ فيما يلح دعاة هذه الأيام علي تفسير ابتعاد الناس عن الإسلام بالميل المتأصل في نفوسهم إلي الهوي; وعلي النحو الذي يترتب عليه ضرورة زجرهم وقمعهم, فإن رجل الإصلاح قد ألح, في المقابل, علي مسئولية الاستبداد الكبري في إبعاد الناس عن جوهر الإسلام. ومن هنا فإن رجل الإصلاح لم يكن أكثر فهما فقط, بل وكان أكثر جرأة وشجاعة من شيوخ هذه الأيام البؤساء; الذين لا يفعل الواحد منهم- للأسف- إلا أن يكون معينا للمستبد في السيطرة علي المحكومين.”