“وهو يخاف الإشارات. الصحراء علّمته أن يتيقظ للإشارات. قالت له إنه ليس في الحياة شيء يمكن أن يعادل الإشارة عندما تتجاهلها أو تغفل عنها. "الإشارة هي القدر". هكذا قالت الصحراء.”
“البلية تعود مع الاسترخاء وتتسلل في الغفلة. إذا عجزَت أن تأخذك في عراك الند للند توارت لتطعنك من الخلف عندما تستدير وتعطيها ظهرك. هذه تعاليم تعطيها الصحراء للرعاة مجانا كل يوم، ولكنها تتخلى عنهم بمجرد أن يسكنوا الواحات ويتطاولوا في الزراعة.”
“أتدري ماذا قالت لي طفلة روسية مرة؟ قالت :"الإنسان السوي لا يحترف السياسة".وهو ما يعني حقاً أن السياسة ضرب من ضروب الجنون.والناس يحترفون السياسة لإنها أقرب سبيل لنيل السلطة أولاً،ولإنها السبيل الآهون كما يظنون.”
“ويُجمع الجميع أن كل حكمته كانت تنبع من عنايته بالإشارات الخفية. ويقال أن الموت أيضا لم يفاجئه. رأى في منامه أنه يقف تحت السدرة الأسطورية الضائعة في غرب الصحراء ويشرب من ماء البحيرة. فقال له العراف في الصباح: أعد نفسك للرحلة. إنها سدرة المُنتهَى.”
“قادته تجربته الطويلة مع الانتظار إلى المجهول دون أن يدري. استدرجته ديمومة الانتظار إلى دهليز أطلق عليه اسم الغيبوبة من باب الاستعارة. أدرك بهذهِ التجربة أن الشقوة ليست في أن نفشل، و لكن في أن ننتظر. أدرك أنّ القصاص ليس أن نيأس، و لكن أن ننتظر. أدرك أن البليّة ليس أن نهلك، و لكن أن ننتظر. و العلة ليست في الخيبة (خيبة الطلب)، و لكن لاستحالة أن يستمرئ الإنسان الانتظار أبدًا. بلى، بلى. الانتظار هو ما استعسر على الطبيعة الثانية المسماة في معجم الحكمة: العادة.في الآونة الأخيرة استعان على هذا الغول بالغيبوبة. لا ينكر أنه روَّض نفسه عليها طويلًا مستنجدًا بوصايا أمّه الكبرى، الصحراء؛ لأن الحياة في ذلك الوطن المفقود ليست سوى انتظار طويل، بل انتظار أبدي لا يضع لأبديته نهاية إلّا النهاية الطبيعية التي هي الموت.”
“الإنسان الذي يقتل لا ليسدّ الرمق كما يفعل أهل الصحراء، و لكنه يقتل من فرط الشبع، أو فلنقل من باب التسلية كما تفعلون أنتم، لن يشبعه شيء، و لن يقف في طريقه شيء إلّا ليعرضه للفناء.”
“كيف يتخلى عن نصفه الإلهي ويقايضه بوهم الدنيا؟ ومن هي المرأة؟ إنها الوَهَق الذي خلقه إبليس كي يجر به الرجال من رقابهم. ومن هو الولد؟ إنه اللعبة التي يتلهى بها الأب معتقدا أن فيها الخلود والخلاص في حين تحمِل فناء عمره وخراب ماله. وما هو العار؟ إنه وهم آخر اختلقه أهل الصحراء كي يستعبدوا أنفسهم ويكبلوا رقابهم بمزيد من القيود والحبال.”