“أنا على ثقة أن المجتمعات الإسلامية ستشهد مارتن لوثر وكالفن الإسلام (وربما أكثر من مارتن لوثروأكثر من كالفن) ، وأن صراعا مريرا سيستمر لسنوات وعقود قبل أن تصل هذه المجتمعات الإسلامية للحالة الصحية والتى تسمح بإنطلاق وإبداع العقل الإنساني ، وهى الحالة التى بدونها لا يمكن حدوث التقدم واللحاق بمسيرة التقدم الإنسانية ... فثقافة الطاعة والتقليد والإتباع التى يروج لها كثير من الإسلاميين بوجه عام والحنابلة وأتباع إبن تيمية وإبن قيم الجوزية والدعوة الوهابية بوجه خاص لا يمكن أن تفرز العقل صانع التقدم ... والدليل الأوضح هو حالتنا الراهنة : فحتي أغني المجتمعات الإسلامية تعيش عالة على تجليات العقل الغربي الذى حرر نفسه منذ أكثر من أربعة قرون من ربقة عبودية العقل الإنساني للسلف والتقليد والإتباع والطاعة.”
“لولا ظهور رجلين مثل مارتن لوثر وكالفن وما أحدثاه من هزة لقواعد سلطان رجال الدين لما كانت تلك المجتمعات قد تمكنت من الخروج من الدائرة المغلقة لسلطان المؤسسات الدينية . وكما يحلو لي أن لأصف ما حدث باللهجة المصرية ، فإن رجال الدين والمؤسسات الدينية بعدما أعطوا "العقل العلمي" أكثر من ضربة موجعة "أي علقة بالمصريأو قتلة بالسورية ) ، فإن التقدم العلمي والفكري مكن (بفتح الميم وتسكين الكاف) قادة الرأي العام فى تلك المجتمعات من أن يعطوا هم رجال الدين والمؤسسات الدينية "علقة تاريخية" ، فأصبح هؤلاء ملتزمين بأن مجال نفوذهم هو الجانب الروحي ، أما إدارة المجتمع فإنها ليست مجالهم .”
“بالعلم والادارة يكون التقدم . وبالشعارات والايدولوجيات يكون البعد عن طريق التقدم. والعلم والادارة هما القاطرتان اللتان أخذتا مجتمعات مثل اليابان وتايوان وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية لآفاق التقدم العليا التي بلغتها هذه المجتمعات . والعلم والادارة انسانيان من الألف للياء . بمعنى انهما لا دين ولا قومية لهما . والعلم والادارة هما زبدة وخلاصة مسيرة الانسانية . ولاتوجد حالة تقدم واحدة على ظهر الكرة الأرضية اليوم بسبب آخر غير العلم والادارة.”
“لولا اخفاق حكاّم مصر ( ونظمهم ) خلال العقود الستة الماضية ، لما اختار كثير من المصريين اي مرشح من المحسوبين على التيار الإسلامي. لولا اخفاق هؤلاء : سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً ، لما دخل البرلمان المصري عضو واحد من التيار الديني . فالانسان الذي يعيش في ظروف حياتية كريمة ، والذي يشارك في الحياة العامة كصاحب مصلحة في اختيار ممثليه وحكوماته ، والذي تلقى تعليماً عصرياً يقوم على تفعيل العقل بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص ، والذي يعيش في مناخ اجتماعي يتسم بالوضوح والعدل (والعدل فى أحسن الأحوال " نسبي " ) ، والذي يحيا في مناخ ثقافي وإعلامي ينتمي للعصر ومسيرة التقدم الانسانية ، لايمكن ان يختار من لا علاقة لهم بالعصر والتقدم والحداثة وحقوق الانسان وحقوق المرأة. لولا اخفاق حكام مصر ( ونظمهم ) خلال العقود الستة الماضية في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة ، لكان جل المصريين قد اختاروا من يشغلهم الحاضر والمستقبل ، لا من لا حديث لهم الا عن الماضي وما سلف ومن سلف.”
“النساء هن نصف المجتمع عدديا وأمهات ومربيات النصف الآخر ... وعليه ، فإنه مالم تصبح تتقدم وتتحدث (من الحداثة) المرأة ، فستبقي مجتمعاتنا (كما هى اليوم) عالة على البشرية فى سائر مجالات العلوم والإبتكارات . ودليلي على صواب هذا القول هو أنه لا يوجد شعب واحد على سطح الأرض له إسهامات فى مسيرة التقدم العلمي إلا الشعوب التى تساوت فيها المرأة مع الرجل فى الحقوق والمكانة . أما الشعوب الأخري التى بقت مجتمعاتها ذكورية (ككل الشعوب العربية) فهى محض مستورد لتجليات العلم لا صانعة لها ، وهو عار لا يشعر به من جبلوا على "شراء" لا " صنع" الحياة ... وفى مقدمة هؤلاء من جعلتهم الثروة التى هطلت عليهم (بعد قرون من شظف العيش مع النوق والماعز وبيوت الشعر وتلال الرمال) يظنون أنهم قد إرتقوا ، وهم أبعد ما يكونون عن فهم معني الإرتقاء.”
“يهاجرون لبلدان أوروبا وامريكا الشمالية وأستراليا هاربين من إنعدام الحريات (بشتى صورها) وإنعدام فرص الحياة الطيبة ... وما أن يستقروا فى الجنة التى طالما حلموا بها حتى يبدأ بعضهم فى العمل على تدمير البنية الأساسية للمنظومة الدستورية والقانونية والثقافية للجنة التى فروا اليها من جحيم مجتمعاتهم الغارقة تحت مياه بحيرة التخلف الآسنة ... وعندما يكتشف أبناء المجتمعات المتقدمة التى فر لها "هؤلاء" أن كل ما يريده من الديموقراطية "بعض" هؤلاء المهاجرين انما هو إستعمال الديموقراطية لنسف وتدمير الديموقراطيات الغربية ، يعلو صراخهم : إنقذونوا من موجة العداء لنا ولديننا !!”
“لكل الحضارات الكبري مزايا وعيوب ، أو مناقب ومثالب . وإذ كانت أهم مناقب الحضارة الغربية (الجالسة اليوم خلف عجلة قيادة قاطرة التقدم الإنساني) هى تطوير القيم الإنسانية التى حققت الطفرة الكبيرة فى شتي المجالات (قيمة الوقت ، وقيم التعددية والغيرية والنسبية والسماحة والديموقراطية وحقوق الإنسان ، وإعلاء شأن العقل الإنساني ، وحقوق المرأة ، والتفعيل الكبير لدور العقل النقدي ، وعالمية أو كونية العلم والمعرفة .... إلى أخر الأنساق القيمية التى كتبت عنها عشرا الكتب ومئات المقالات) ... فإن أكبر عيوب أو مثالب هذه الحضارة هو ضعفها الشديد والمزري) أمام المال وأمام مصالحها المالية ، والأسوا : عدم دفاعها عى أنساقها القيمية كما تدافع عن مصالحها المالية . ولو أن هذه الحضارة قد إهتمت بالدفاع عن القيم الأساس التى كانت (ولا تزال) أساس نهضتها وتقدمها (وبشكل إنساني كوني) ، لكنا نعيش اليوم فى عالم أفضل بكثير مما يحيط بنا اليوم . وليتخيل القاريء مثالا وحيدا عما أقصده هنا : تري كيف سيكون عالمنا لو أن الحضارة الغربية تهتم بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والديموقراطية ومحاربة الفساد فى العالم الثالث (فى السعودية مثلا !!) كما تهتم بهذه القيم فى مجتمعاته !!”