“هذه نفسي أسائلها : هل تعرف النفوس الوفاء ..؟لكل حالةٍ لَبُوسها وتتّخذ لكل يوم ميزانه ، فيهون عندها اليوم ما عز بالأمس ، و يرخص ما غلا ويغلو ما رخص ، نرى الشخص فلا نباليه ، وقبلاً كان مناط حبنا ، وكنا نقنع ان كان وصله حظّنا من دنيانا ، او كان موضع إكبارنا وكان رضاه نهاية متمنانا ، ونمر بالمكان لا نلتفت إليه وفيه ذقنا حلو العيش ومُرّه ، وفيه أثر من أنفسنا ، وفيه بقايا من أعمارنا ..”
“اقرأ ما تقرأ وعقلك في رأسك وإيمانك في صدرك ، لا تأخذ كل ما يقولون قضية مسلّمة وحقيقة مقرّرة ،فالحق هو الذي لا يكون باطلاً ، وليس الحق ما كان قائلة أوربيّاً ، فانظر أبداً إلى ما قيل ودع من قال !”
“لذلك أوصي كل قارئ لهذه الفصول أن يتخذ له دفترا , يدون فيه كل عشية ما رأى في يومه , لا أن يتكب ماذا طبخ و ماذا أكل , و لا كم ربح و كم أنفق , فما أريد قائمة مطعم , و لا حساب مصرف . بل أريد أن يسجل ما خطر على باله من أفكار , و ما اعتلج في نفسه من عواطف , و أثر ما رأى و سمع في نفسه , لا ليطبعها و ينشرها , فما كل الناس من أهل الادب و النشر , و لكن ليجد فيها يوما نفسه التي فقدها ..”
“أميركا ما سميت باسم كريستوف كولومبوس الذي اكتشفها بل باسم بحار اسمه (أميركو فيسبوسو) كان من أوائل من أبحر إليها بعد اكتشافها بخمس عشرة سنة ”
“إن الطبيعة ليست موسيقية فنانة ، عندها من الألوان ما لا نهاية له ، ولكن ليس عندها إلا هدير الموج، وخرير النهر ، وحفيف الأشجار ، وتغريد البلابل ، وسجع الحمام ، وقصف الرعد . هذه موسيقاتها ، ومن هنا كانت للموسيقى أسمى الفنون لأنها ابتكار ونجديد ، على حين أن الأدب والتصوير تقليد”
“كثيرا مما نخافه في هذه الحياة , وكثير من الموضوعات التي تتحاماها الأقلام , وتبتعد عنها الصحف , مثل هذه الحديقة , لا تحتاج إلا إلى عود كبريت أو إلى مصباح كشاف , يظهرها لأعيننا ؛ فنرى أنه ليس فيها ما تخشاه ولكن الظلام الذي كان يلفها , وخيالنا الذي كان ينطلق وسط هذا الظلام هو الذي يملأ نفوسنا بالمخاوف والأوهام”
“كنتُ أشعر - كلما انفردت - بفراغ هائل في نفسي ، وأحس بأنها غريبة عني، ثقيلة عليّ ، لا أطيق الانفراد بها .. فإذا انفردتُ بها أحسستُ أن بيني وبين الحياة صحاري قاحلة و بيداً ما لها من آخر .. بل كنتُ أرى العالم وَحشاً فاغِراً فاه لابتلاعي ، فأحاول الفرار . ولكن أين المفر من نفسي التي بين جنبيّ ..؟إنّ نفسي عميقة واسعة ، أو لعلّي أراها عميقة واسعة لطول ما أحدّق فيها وأتأمّل جوانبها ، فتخيفني بسعتها وعمقها ويرمضني أنه لا يملؤها شيء مهما كان كبيراً .. وهذا العالم ضيق ، أو لعلّي أراه ضيقاً لاشتغالي عنه بنفسي وشعوري بسعتها ، فأراه يخنقني بضيقه.إني أجمع العالم كله في فكرة واحدة أرميها في زاوية من زوايا نفسي ، في نقطة صغيرة من هذا الفضاء الرحيب ، ثم أعيش في وحدة مرعبة أنظر ما يملأ هذا الفضاء..”