“جموع الناس تبحث عادة عن الأسهل والمريح وتتجمع سويا حول الرأي الواحد مثلما تتلاصق أسراب الطيور لتحمي نفسها من الصقيع، وكلما كان الرأي منتشرا ومألوفا كان في انتشاره نوعا ما من الحماية لصاحبه، إذ يعلم بانه ليس الوحيد المؤمن به بل يشعر بدفء الجموع الكبيرة وهي تشاركه إياه، ويطمئن بأنه يستظل تحت سقف الأغلبية. أما احساس المرء بأنه منفرد برأي جديد وبأنه يطأ أرضا لم تطأها قدم أخرى من قبل يتعين عليه أن يخوض معركة مع الأغلبية كي يحمي فكرته الوليدة، فهذا الاحساس لا يقدر عليه إلا القليلون، وعلي يد هؤلاء حققت البشريه أعظم انجازاتها.”
“إن الإسنان الذي كان يعلم من قبل بأنه ليس سيد الكون، ولا سيد الأحياء، قد اكتشف بأنه ليس سيدا حتى لنفسه”
“إن الإنسان العاقل ما ينبغي أن يصف واقعاً فرض نفسه أو فرضه بعض الناس لسبب ما، بأنه قدر حتمي لا يتبدل، ثم يمضي و هو خاضع مستسلم يقول ليس في الإمكان أبدع مما كان. بل يجب أن نعلم أن هذا الواقع لم يفرض نفسه إلا بعد أن أزاح واقعاً سابقاً عليه كان قد فرض هو الآخر نفسه أحقاباً طويلة من الدهر.”
“الله - سبحانه - يعلم كل ما يكون قبل أن يكون . ولكنه يريد أن يظهر المكنون من الناس , حتى يحاسبهم عليه , ويأخذهم به . فهو - لرحمته بهم - لا يحاسبهم على ما يعلمه من أمرهم , بل على ما يصدر عنهم ويقع بالفعل منهم .”
“هناك الرأي الذي يكونه أحدنا حول نفسه ، وهو أمرٌ علاقته ضئيلة إلى حد لا يصدق بالغرور . وأعني ذلك الرأي الصريح بالنفس مئة بالمئة ، الرأي الذي لا يجرؤ أحدنا على الإعتراف به للمرآه التي يحلق ذقنه قبالتها ... أذكر أنه في الفترة ما بين السابعة عشرة والعشرين من عمري كان لي رأي طيب حول نفسي ، ويمكن القول أنه كان رأياً رائعاً (...)والحقيقة أنا هذا الرأي الرائع حول نفسي قد تهاوى كثيراً. فأنا أشعر إليوم بأني مبتذل ومجرد من الحماية أحياناً. وكان يمكن لي أن اتحمل بشكل أفضل أسلوبي في الحياه لو لم أكن أعي (ذهنياً فقط بالطبع ) أنني فوق هذا الإبتذال ، وانني أعلى -ليس كثيراً - من مهنتي المنهكة ، ومن متعي القليلة ، ومن إيقاع حواري ؛ لأن معرفة كل ذلك لا يساعدني في الحقيقة على الإطمئنان والراحة ، بل يولد لدى إحساساً أكبر بالإحباط وبأنني غير مؤهل لتجاوز الظروف المحيطة بي. والاسوأ من ذلك كله أنه لم تقع لأحدث فظيعة تحاصرني ، انني أعني أحداثاً تكبح أفضل دوافعي ، وتحرف تطوري وتقيد روتين حياتي الناعس .”
“لئن كان يعد ما يعهد عادة اليه - بالاقياس إلى غيره من الأدوار الثانوية إلا أنه كان يقوم بع بدقة و عناية و غبطة كأنما هو أسعد ما يحظى به في حياته غير أنه لم يكن يخلو في جهاده من تعاسة خفيفة لم يعلم بها أحد سواه, منشؤها ما اقتنع به من أنه دون الكثيرين من أقرانه جرأة و إقداماً..”