“ورغم أن " الحاكم " للدولة كان النبي – صلي الله عليه وسلم -، وعليه ينزل وحى السماء بالقرآن الكريم – أي أنه قد جمع " الولاية الزمنية " إلي " النبوة والرسالة "، إلا أن هذه الدولة لم تكن " دولة دينية " بالمعني الذي عرفته مجتمعات غير إسلامية، وفلسفات غير إسلامية.. فهذا الدستور قد " تميز " عن القرآن، وإن لم يخالف وجه ومبادئة و" رعية " هذه الدولة لم تقف عند " الجماعة – الأمة – المؤمنة "، بل كانت " رعية سياسية " اتخذت من المعيار السياسي والإطار " السياسي " ميزانا حددت وميزة به الرعية عن الانهيار..”
“منذ فجر الدولة الإسلامية الأولى ـ دولة النبوة.. بالمدينة المنورة ـ كان القضاء المستقل سلطة من سلطات هذه الدولة.. فالقاضي ملتزم بالكتاب وبالسنة، فإن لم يجد فيهما نص، اجتهد في الحكم.. أي أنه مستقل ـ بالاجتهاد ـ في قضائه، داخل إطار البلاغ القرآني والبيان النبوي لهذا البلاغ.. وفي تقنين هذا المبدأ ورد حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع معاذ بن جبل، عندما عينه قاضيًا باليمن.. وسأله: "كيف تقضي؟.. فقال: أقضي بكتاب الله... فقال الرسول: فإن لم يكن في كتاب الله؟.. قال معاذ: فبسنة رسول الله.. فقال الرسول: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟.. فقال معاذ: اجتهد رأيي.. فقال الرسول: الحمد لله الذي وفق رسول الله".”
“وخلافة المسلمين ودولتهم قائمة على " تعاقد دستوري " , بين " الأمة " و " الدولة " , على أن تكون المرجعية و السيادة و الحاكمية للشريعة الإلهية المجسدة لحدود عقد و عهد الاستخلاف .. وهذا التعاقد على هذه المرجعية , جاء به البلاغ القرآني .. و طبقه البيان النبوي في الدولة الإسلامية الأولى .. وإلتزمه الراشدون بعد انتقال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " , إلى الرفيق الأعلى .”
“يفرض الإسلام ويوجب أن تكون الشورى , شورى الجماعة , هى الفلسفة والآلية لتدبير الأمور .. سواء كان ذلك في داخل مؤسسات الدولة أو في العلاقة بين هذه المؤسسات وبين جمهور الأمة ..”
“فـكل ما خرج عن القسم الخاص بتبليغ الرسالة الدينية , من السنة النبوية , فليس بدين وإنما هو سياسة , على العقل المسلم أن يتناول موضوعاتها ابتداء بالنظر والاجتهاد دونما تقيد بما روى فيها من النصوص والمأثورات , فقط عليه أن يتلزم المبادىء الحاكمة للنظر في هذه الأمور ومقاصد الشريعة فيها , فإن كان الأمر قضاء كان المعيار هو : البينة واليمين .. وإن كان الأمر سياسة كان المعيار هو تحقيق المصلحة للأمة ودفع الضرر والضرار عن الجماهير المسلمين”
“الدولة الإسلامية نظام متميز وفريد.. فالسيادة فيها للشريعة الإلهية.. والأمة فيها هي مصدر السلطات، والمستخلفة عن الله- شارع هذه الشريعة- .. والدولة فيها مختارة من الأمة ومستخلفة عنها- (الشريعة - فالأمة - فالدولة).”
“لقد كان فكر " السلطة الدينية " , وكذلك " تطبيقاتها " , في حضارتنا العربية الإسلامية النقطة السوداء التى مثلت الشذوذ الذي يثبت قاعدة : رفض الإسلام لهذا الفكر و إنكار الأمة و عامة مفكريها لتطبيقاته .. فظلت هذه الدعوى , في سماء حضارتنا وتاريخنا, سحابة صيف , لم تتجسد في مؤسسات, و لم يجتمع حولها جمهور , و لم يقم لها ـ باستثناء الشيعة ـ مذهب في إطار مذاهب الإسلاميين . وإنما وقفت عند حد الشبهات !”