“في ربيع عام 1989 تم تسريح الضابط ميم من الحرس الجمهوري بعد أن كُسّرت أضلاعه. توقع السيد ميم وهو ضابط شاب ينتمي إلى الطبقة الدنيا المتوسطة, أن يوفر له تعليمه الجامعي الأمن والامتيازات ضمن صفوف الحرس الجمهوري. لقد كان مخطئاً. لم يبد الضابط المسؤول أي احترام لإنجازات ميم, وحتى قبل الحادثة التي أدت به إلى الضرب, كان أصدقاؤه يسمعون بكاءه أثناء نومه.ففي يوم من الأيام زار وحدتهم ضابط برتبة عالية,وأمرهم أن يقصوا عليه أحلامهم التي رأوها في الليلة الفائتة. تقدم مجند وأعلن:"لقد رأيت صورة القائد في السماء, ثم نصبنا سلالم من نار لتقبيلها". وتبعه مجند آخر بقوله:"رأيت القائد ممسكا الشمس بيديه, ثم ضغطها وسحقها حتى تهاوت.فعم الظلام وجه الأرض. ولكن ما لبث وجهه أن لمع في السماء, وأرسل ضياء ودفئاً في كل الاتجاهات".وتتابع الجنود يمدحون بعظمة القائد. عندما جاء دور الضابط ميم, تقدم وحيى المسؤول الكبير, ثم قال:"لقد رأيت في منامي أمي عاهرة في غرفة نومك". ولم يكد ميم ينهي رؤياه حتى انهالوا عليه بالضرب, وتبع ذلك تسريحه. في تعليقه على الحادثة, قال السيد ميم شارحاً "إنه عنى أن بلده عاهرة".وسواء إنبثقت القصة مما حدث بالفعل لميم أو أنها من نسج خيال من رواها, فالحكاية تجد سمة من سمات الحياة السياسية في سورية: إصرار النظام على أن يُقدم المواطنون أدلة ظاهرة على ولائهم لعظمة الحاكم التي لا يمكن تصديق طقوسها الزائفة بشكل جلي. ففي هذه الرواية القوية من مواجهة اعتيادية, يمثل الجنود سياسية "كما لو" وذلك بالإدعاء بأنهم حلموا بالأسد القادر على كل شيء. قد يصدق بعض الجنود أن الأسد ملهم من السماء, لكن من المستبعد أن يتصادف أن أي منهم قد حلم بالقائد في الليلة السابقة. وأما الضابط ذو الرتبة العالية فقد برهن على أنه قادر على إنتزاع قصص خيالية من المشاركين. ويستجيب المشاركون ليبرهنوا على طاعتهم للضابط وعلى قابليتهم في تمثيل كما لو أنهم حلموا بالأسد.لكن وبينما يُطلب من الجنود الإفصاح عن أكثر خصوصيات ذواتهم, يُمكنهم المسؤول الكبير من سرد أكثر القصص المخترعة والتي لا يمكن التحقق منها.يطرح هذا الفصل سؤالين متراطبين:1) ما هو معنى مشاركة الجنود وماذا يعني التجاوز في قصة ميم؟ولماذا يتم ابتكار استراتيجيات تتطلب من المواطنين الرياء؟2) لماذا يتم اعتماد سياسة تستند إلى إظهار الولاء الخارجي الذي يمكن التأكد من زيفه بسهولة, بدلا من مخاطبة القناعة الداخلية للناس؟”
“, كل ما أريد أن تعرفه يا ميم بأنني أحاول أن أجمع شتاتي في حقيبتك الاّخيرة و أخبئني في نسمة هواء عابرة وأغادر إليك, فمدينتنا يا ميم تشعرني بالتقيؤ مدينتنا تغتالّ كل مساحة خضراء تزرع في قلوبنا التناقضات و القسوة و الجفاف تعلمنا أن البسطاء لاحياة صالحة لهم فوحدهم من يقام عليهم الحد و ماسواهم هم ملائكة منزهين من النار, شرعتُ نوافذ غرفتي الاّن ياميم و أنا أعاتب مدينتنا بعد أن بصقتّ عليها وهي تتجاهل حديثي و تبكي و تقول:"يا سهام الخلل ليس بجوفي الخلل في من يتنفس بداخلي و لو كان الاّمر بيدي لهربت إلى سكة قطار بعيدة و انتحرت . فتناقضاتكم لا يحتملها حجر "اللعنة يا ميم كيف اخلصها من خللاً بحجم هذه الأرض أجمع .كيف؟”
“ولقد نفت نظره أن السماء التي تظلل الجميع واحدة سواء كان ذلك في أوراسيا أو إيستاسيا أو حتى هنا في أوقيانيا، كما أن الناس الذين تظللهم السماء يتشابهون إلى حد كبير أينما كانوا، ففي جميع أنحاء العالم يعيش مئات ألوف من ملايين الأشخاص على هذا المنوال، حيث يجهل بعضهم وجود بعض، وتفصل بينهم جدران من الكراهية والأكاذيب ومع ذلك فإنهم متماثلين. أناس لم يتعلموا أبدًا كيف يفكرون ولكنهم يختزنون في قلوبهم وبطونهم وعضلاتهم القدرة التي يمكن في يوم من الأيام أن تقلب نظام العالم.”
“وما أشبه المال إلا أن يكون آلة من آلات القتل. فإنه يميت أكثر أصحابه موتا شرا من الموت –إلا من عصم الله- موتا يجعل أسماءهم كأنها قائمة على ألواح من العظام النخرة.. ويرسلها كل يوم إلى السماء في لعناتٍ لا عداد لها.. ثم يثبتها في التاريخ آخرا لا بأعيانها ولكن بعددها أو كما تثبت الحكومة في كل سنة عدد البهائم التي نفقت بالطاعون”
“لا يقف على فساد نوع من العلوم، من لا يقف على منتهى ذلك العلم، حتى يساوي أعلمهم في أصل ذلك العلم، ثم يزيد عليه، ويجاوز درجته فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم، من غوره وغائله، وإذا ذاك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقًا”
“الأديب :إن كل تعاريف الأدب التي يتمسك بها الأكاديميون لا تهمني في شيء .. كل ما أثق به أن الأديب الحق هو من لديه القدرة على أن ينتزعك من غرفتك وأنت تقرأ له ؛ ليضعك في عوالمه الخاصة ..أو قد ينجح هو ببراعته في أن ينسرب إليك ويشكل جزءً من عالمك الخاص !”